أن يزرعها ما ضرره أكثر من ضرر الحنطة. وقال داود بن علي: لا يجوز إذا استأجرها لزرع الحنطة أن يزرعها غير الحنطة، وإن كان ضرره أقل من ضرر الحنطة استدلالا بقوله تعالى (أوفوا بالعقود) فلم يجز العدول عما تضمنه العقد قال: ولأنه لما لم يجز إذا اشترى بدراهم بأعيانها أن يدفع غيرها من الدراهم وإن كانت مثلها لما فيه من العدول عما اقتضاه العقد، كذلك في إجارة الأرض لزرع الحنطة لا يجوز أن يعدل فيها عن زرع الحنطة.
ودليلنا ان ذكر الحنطة في إجارة الأرض إنما هو لتقدير المنفعة به لا لتعيين استيفائه، الا تراه لو تسلم الأرض ولم يزرعها لزمته الأجرة، فإذا ثبت أن ذكر الحنطة لتقدير المنفعة فهو إذا استوفى المنفعة فقدرت به في العقد وبغيره جاز، كما لو استأجر لحمل قفيز من حنطة فحمل قفيزا غيره، وكما لو استأجر ليزرع حنطة بعينها فزرع غيرها، ولان عقد الإجارة يتضمن اجرة يملكها المؤجر ومنفعة يملكها المستأجر، فلما جاز للمؤجر ان يستوفى حقه كيف شاء بنفسه وبوكيله وبمن يحيله جاز للمستأجر أن يستوفى حقه من المنفعة كيف شاء بزرعها الحنطة وغير الحنطة، وباعارتها لمن يزرعها وبتركها وتعطيلها.
فأما استدلاله بقوله تعالى (أوفوا بالعقود) فمثل الحنطة ما يتضمنه العقد بما دللنا. وأما الجواب عما استدل به من تعيين الأثمان بالعقد فكذا في الإجارة، فهو أن الفرق بينهما في التعيين متفق عليه، لان الدارهم تتعين بالعقد حتى لا يجوز العدول إلى جنسها والحنطة لا تتعين في عقد الإجارة وإنما الخلاف في تعيين جنسها لاقراره لو استأجرها لزرع حنطة بعينها جاز له العدول إلى غيرها من الحنطة، فكذلك يجوز ان يعدل إلى غير الحنطة. اه فإذا تقرر هذا لم يخل حال المستأجر ليزرع الأرض حنطة من ثلاثة أقسام:
1 - أن يستأجرها لزرع الحنطة وما أشبهها، فيجوز له مع موافقة داود أن يزرعها الحنطة وغير الحنطة مما يكون ضرره مثل ضرر الحنطة أو أقل، الا أن داود يجيزه بالشرط ونحن نجيزه بالعقد والشرط تأكيدا 2 - أن يستأجرها لزرع الحنطة ويغفل ذكر ما سوى الحنطة مما ضره أكثر من الحنطة أو أقل،