إذا كان النهر لجماعة وقد قلنا فيما مضى ان النهر المحيى في موات يكون لمحييه حقوق الملك، وان لم يكن مالكا فهو بينهم على حسب العمل والنفقة أو على حسب اتفاقهم، لأنه إنما كان لهم حق الملك بالعمارة والعمارة بالنفقة، فان كفى جميعهم فلا كلام، وان لم يكفهم وتراضوا على قسمته بالمهاياة أو غيرها جاز لأنه حقهم لا يخرج عنهم، وان تشاحوا في قسمته قسمه الحاكم بينهم على قدر نفقتهم، لان لكل واحد منهم من الحقوق بقدر ذلك، فتؤخذ خشبة صلبة أو حجر مستوى الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستو من الأرض في مقدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم يخرج من كل جزء أو ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم، فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به وليس له أن يأخذ قبل القسم، كما أن ليس له أن يسقى أرضا ليس لها رسم شرب في هذا الماء لان ذلك يدل على أن لها قسما في هذا الماء، فربما جعل سقيها منه دليلا على استحقاقها لذلك فيستضر الشركاء ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب لا ينفذ ودار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى، فأراد تنفيذ أحداهما إلى الأخرى لم يجز، لأنه يجعل لنفسه استطراقا من كل واحدة من الدارين وان قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصه يوما وليلة أو أكثر من ذلك أو أقل.
وان قسموا النهار فجعلوا الواحد من طلوع الشمس إلى وقت الزوال وللآخر من الزوال إلى الغروب ونحو ذلك جاز. وان قسموه ساعات وأمكن ضبط ذلك بشئ معلوم كطاسة مثقوبة تترك في الماء وفيها علامات إذا انتهى الماء إلى علامه كانت ساعة وإذا انتهى إلى الأخرى كانت ساعتين.
لا يجوز في النهر المشترك ان يتصرف أحد المشتركين بعمل رحى أو دولاب أو معبر للماء لأنه يتصرف في نهر مشترك وفى حريمه بغير اذن شركائه. اما الشرب لنفسه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه والانتفاع به في أشباه ذلك فإنه يجوز لكل المسلمين، ولا يحل لصاحب الماء منعه من ذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم رجل كان يفضل ماء الطريق فمنعه ابن السبيل) رواه البخاري.