فإن لم يقبض المال انعزل عن الوكالة بانكاره فإن كان قد قبض المال أخذه المحيل وهل يرجع هو على المحيل بدينه؟ فيه وجهان.
(أحدهما) لا يرجع، لأنه أقر ببراءة ذمته من دينه.
(والثاني) له أن يرجع لأنه يقول: إن كنت محتالا فقد استرجع منى ما أخذته بحكم الحوالة، وإن كنت وكيلا فحقي باق في ذمته فيجب أن يعطيني، وإن هلك في يده لم يكن للمحيل الرجوع عليه، لأنه يقر بأن ماله تلف في يد وكيله من غير عدوان، وليس للمحتال أن يطالب المحيل بحقه لأنه يقر بأنه استوفى حقه وتلف عنده. وان قال المحيل: أحلتك، وقال المحتال بل وكلتني، فقد قال أبو العباس القول قول المحيل، لان اللفظ يشهد له.
وقال المزني: القول قول المحتال، لأنه يدعى بقاء دينه في ذمة المحيل، والأصل بقاؤه في ذمته. فان قلنا بقول أبى العباس فحلف المحيل برئ من دين المحتال، وللمحتال مطالبة المحال عليه بالدين، لأنه إن كان محتالا فله مطالبته بمال الحوالة، وإن كان وكيلا فله المطالبة بحكم الوكالة، فإذا قبض المال صرف إليه، لان المحيل يقول: هو له بحكم الحوالة، والمحتال يقول. هو لي فيما لي عليه من الدين الذي لم يوصلني إليه.
وإن قلنا بقول المزني وحلف المحتال، ثبت أنه وكيل، فإن لم يقبض المال كان له مطالبة المحيل بماله في ذمته، وهل يرجع المحيل على المحال عليه بشئ فيه وجهان.
(أحدهما) لا يرجع، لأنه مقر بأن المال صار للمحتال.
(والثاني) يرجع، لأنه إن كان وكيلا فدينه ثابت في ذمة المحال عليه وإن كان محتالا فقد قبض المحتال المال منه ظلما، وهو مقر بأن ما في ذمة المحال عليه للمحتال، فكان له قبضه عوضا عما أخذه منه ظلما فإن كان قد قبض المال فإن كان باقيا صرف إليه، لأنه قبضه بحوالة فهو له، وإن قبضه بوكالة فله أن يأخذه عما له في ذمة المحيل. وإن كان تالفا نظرت، فان تلف بتفريط لزمه ضمانه، وثبت للمحيل عليه مثل ما ثبت له في ذمته فتقاصا، وان تلف من غير تفريط