سوى بين الغرماء في عين المال أو في ثمنه بعد بيعه - ثم رفع إلى رجل يرى العمل بالحديث، جاز له نقض حكمه.
(قلت) جملة القول في هذا أن المفلس متى حجر عليه فوجد بعض غرمائه سلعته التي باعه إياها بعينها بالشروط التي يذكرها ملك فسخ البيع وأخذ سلعه.
وروى ذلك عن عثمان وعلى وأبي هريرة. وبه قال عروة ومالك والأوزاعي والشافعي والعنبري وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال الحسن والنخعي وابن شبرمة وأبو حنيفة: هو أسوة الغرماء وإن قوم ماله فوجدوه لا يفي بديونه لم يحجر الحاكم عليه قبل سؤال الغرماء ذلك لأنه لا ولاية له عليه في ذلك، وإن سأل الغرماء أو بعضهم الحجر عليه بعد ذلك حجر عليه، وباع عليه ماله، وبه قال مالك ومحمد وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة لا يحجر عليه ولا يبيع عليه ماله، بل يحبسه حتى يقضى ما عليه. قال العمراني في البيان:
دليلنا ما روى أن معاذ بن جبل رضي الله عنه ركبه دين على عهد رسول الله فكلم غرماؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجر عليه وباع عليه ماله حتى قام معاذ بغير شئ. وفى رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع ماله لهم - يعنى لغرمائه - وهذا يحتمل تأويلين (أحدهما) أن ماله لم يف بالدين فحجر عليه، فيكون معنى قوله " خلع " أي حجر عليه (والثاني) أن معنى قوله خلع ماله لهم، أي باع ماله لهم وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تصدقوا عليه " فلم يف بما عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا ماله ليس لكم إلا ذلك " رواه الجماعة إلا البخاري.
ولم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: خذوا ماله، انهبوا ماله، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم خذوه بالحصص، وأبو حنيفة يقول: ليس لهم أن يأخذوه إلا أن يعطيهم إياه، وهذا يخالف الخبر الصحيح وإن كان ماله يفي بدينه إلا أن أمارات الافلاس بادية، فإن كان ماله بإزاء دينه ولا وجه لنفقته إلا مما بيده. أو كان له وجه كسب إلا أنه قدر نفقته أكثر