قال المصنف رحمه الله:
(فصل) ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن، لأن العقد لحظه، لاحظ فيه للراهن، فجاز له فسخه إذا شاء، فأما من جهة الرهن فلا يلزم إلا بقبض، والدليل عليه قوله عز وجل: فرهن مقبوضة، فوصف الرهن بالقبض، فدل على أنه لا يلزم إلا به، ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول والقبض فلم يلزم من غير قبض كالهبة، فإن كان المرهون في يد الراهن لم يجز للمرتهن قبضه إلا بإذن الراهن. لان للراهن أن يفسخه قبل القبض فلا يملك المرتهن إسقاط حقه من غير إذنه فإن كان في يد المرتهن فقد قال في الرهن انه لا يصير مقبوضا بحكم الرهن إلا بإذن الراهن، وقال في الاقرار والمواهب إذا وهب له عينا في يده صارت مقبوضة من غير إذن، فمن أصحابنا من نقل جوابه في الرهن إلى الهبة وجوابه في الهبة إلى الرهن فجعلهما على قولين.
(أحدهما) لا يفتقر واحد منهما إلى الاذن في القبض لأنه لما لم يفتقر إلى نقل مستأنف لم يفتقر إلى أذن مستأنف.
(والثاني) أنه يفتقر وهو الصحيح لأنه عقد يفتقر لزومه إلى القبض فافتقر القبض إلى الاذن، كما لو لم تكن العين في يده، وقولهم: إنه لا يحتاج إلى نقل مستأنف لا يصح، لان النقل يراد ليصير في يده، وذلك موجود، والاذن يراد لتمييز قبض الهبة والرهن عن قبض الوديعة والغصب، وذلك لا يحصل الا بإذن، ومن أصحابنا من حمل المسئلتين على ظاهرهما، فقال في الهبة لا تفتقر إلى الاذن، وفى الرهن يفتقر، لان الهبة عقد يزيل الملك فلم يفتقر إلى الاذن لقوته والرهن لا يزيل الملك فافتقر إلى الاذن لضعفه، والصحيح هو الطريق الأول، لان هذا الفرق يبطل به إذا لم تكن العين في يده فإنه يفتقر إلى الاذن في الرهن والهبة مع ضعف أحدهما وقوة الآخر فإن عقد على عين رهنا وإجارة وأذن له في القبض عن الرهن والإجارة صار مقبوضا عنهما، فان أذن له في القبض عن الإجارة دون الرهن لم يصر مقبوضا عن الرهن، لأنه لم يأذن له في قبض