فصل ومن أهم ما يؤمر به ألا يتأذى ممن يقرأ عليه إذا قرأ على غيره وهذه مصيبة يبتلى بها جهلة المعلمين لغباوتهم وفساد نيتهم: وهو من الدلائل الصريحة على عدم إرادتهم بالتعليم وجه الله تعالى الكريم:
وقد قدمنا عن علي رضي الله عنه الاغلاظ في ذلك والتأكيد في التحذير منه: وهذا إذا كان المعلم الآخر أهلا فإن كان فاسقا أو مبتدعا أو كثير الغلط ونحو ذلك فليحذر من الاغترار به وبالله التوفيق * باب آداب المتعلم أما آدابه في نفسه ودرسه فكآداب المعلم: وقد أوضحناها وينبغي أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول العلم وحفظه واستثماره: ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب: وقالوا تطييب القلب للعلم كتطيب الأرض للزراعة * وينبغي ان يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد في التحصيل ويرضى باليسير من القوت ويصبر على ضيق العيش: قال الشافعي رحمه الله تعالى لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح: وقال أيضا لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل: وقال أيضا لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس فقيل ولا الغنى المكفي فقال ولا الغنى المكفي: وقال مالك بن أنس رحمه الله لا يبلغ أحد من هذا العلم ما يريد حتى يضربه الفقر ويؤثره على كل شئ: وقال أبو حنيفة رحمه الله يستعان على الفقه بجمع الهم ويستعان على حذف العلائق بأخذ اليسير عند الحاجة ولا يزد: وقال إبراهيم الآجري من طلب العلم بالفاقة ورث الفهم: وقال الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لآداب الراوي والسامع يستحب للطالب أن يكون عزبا ما أمكنه لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجة والاهتمام بالمعيشة عن اكمال طلب العلم واحتج بحديث: خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ وهو الذي لا أهل له ولا ولد: وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله من تعود أفخاذ النساء لم يفلح يعني اشتغل بهن.
وهذا في غالب الناس لا الخواص: وعن سفيان الثوري إذا تزوج الفقيه فقد ركب البحر فان ولد له فقد كسر به: وقال سفيان لرجل تزوجت فقال لا قال ما تدري ما أنت فيه من العافية: وعن بشر الحافي رحمه الله من لم يحتج إلى النساء فليتق الله ولا يألف أفخاذهن * (قلت) هذا كله موافق لمذهبنا فان مذهبنا ان من لم يحتج إلى النكاح استحب له تركه وكذا ان احتاج وعجز عن مؤنته: وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء: وينبغي له أن يتواضع للعلم والمعلم فبتواضعه يناله: وقد