موضوعا لوجوب المضي وملحوظا بذاته فالموضوع في الاستصحاب هو المتعلق وفي القاعدة نفس اليقين ولا يمكن الجمع بين هذين اللحاظين.
وقد يقرر ذلك بان طريقية اليقين في القاعدة لا يمكن بعد تبدله بالشك واما في الاستصحاب فيكون طريقا لكونه موجودا.
أقول: قد ذكرنا سابقا في باب لزوم فعلية الشك واليقين في الاستصحاب ان اليقين الطريقي أخذ موضوعا وان الظاهر من الأدلة ان العناية فيها بان اليقين لكونه امرا مبرما مستحكما لا ينبغي ان ينقض بالشك فالموضوع في الاستصحاب هو اليقين الطريقي وكذا في القاعدة فعنوان اليقين المأخوذ في القاعدتين مرآة لليقين الطريقي لكل مكلف كان على يقين فشك، وقد ذكرنا سالفا ان النقض لا يناسب الا مع اليقين الطريقي الذي يكون في اعتبار العقلاء كأنه حبل مشدود أحد جانبيه على المتيقن والآخر على المتعلق فلا إشكال في ان اليقين في الاستصحاب هو اليقين الطريقي لكن هذا اليقين الطريقي أخذ موضوعا.
فالقول بان معنى لا تنقض انه إذا كان شيء موجودا واحتمل زواله لا يعتنى بهذا الاحتمال، بعيد عن الصواب وأجنبي عن اخبار الباب، وكذا اليقين في القاعدة بما انه طريق إلى الواقع أخذ موضوعا لا بما انه صفة قائمة بالنفس وقوله ان اليقين في القاعدة ملحوظ من حيث نفسه لبطلان كاشفيته بعد تبديله إلى الشك فيه ان اليقين في ظرف وجوده كان كاشفا عن متعلقه والمطابقة للواقع وكون الكشف كشفا صادقا لا دخل له في ذلك فلا إشكال في ان قوله من كان على يقين في عدالة زيد يوم الجمعة فشك بعده في عدالته يوم الجمعة لا يريد باليقين فيه الا ما يريد بقوله من كان على يقين في عدالة زيد يوم الجمعة فشك في بقائها يوم السبت من غير تفاوت في النظر والاعتبار.
فتحصل مما ذكرنا ان الجمع بين القاعدتين بل القواعد الثلث في قوله لا تنقض اليقين بالشك مما لا مانع منه، فما قد يقال: من عدم إمكان الجمع بينهما في اللحاظ من جميع الجهات لا من جهة اليقين ولا من جهة المتيقن ولا من جهة النقض ولا من جهة الحكم مما لا يرجع إلى محذور بعد التأمل فيما ذكرنا.