ثم اعترض على نفسه فيما اختاره من أن المدرك هي النفس لا الحواس وفي هذا التوجيه الذي ذكره لكلام الشيخ بما لم يقدر على دفعه معه انه ادعى أولا حقية كلام الشيخ فقال ما حاصله ان هذه المحسوسات اما ان يسلم كونها ملائمة لهذه الحواس أو يقال الملائم للحواس هو الاحساس لا المحسوس فان سلم كون المحسوس ملائما للحواس كان ادراكها ادراكا للملائم.
فقوله بعد ذلك البصر لا يلتذ بالألوان يناقض قوله اللذة هي ادراك الملائم واما ان منع من ذلك وزعم أن الملائم لها هو الاحساس لا المحسوس فلا يخلو اما ان نقول بان حصول الملائم هو اللذة أو ادراكه هو اللذة فان قال بالأول لزمه تسليم لذة البصر وان قال بالثاني لزمه ان لا يثبت اللذة في حاسه اللمس لأنه ليس الملائم لها الملموسات بل الاحساس بها وليس لها ادراك لذلك الاحساس فهذا وجه الاشكال انتهى كلامه وقال العلامة الشيرازي في شرح الكليات للقانون بعد ما نقل كلام المسيحي وفيه نظر.
اما فيما ذكره أولا فبأنا لا نسلم ان مذهب الشيخ ان المدرك للمحسوسات هي الحواس بل لا مدرك ولا حاكم ولا ملتذ ولا متألم عند الشيخ وغيره من الراسخين في الحكمة غير النفس واطلاق هذه الألفاظ على الحواس بضرب من المجاز واسناد معانيها إلى الحواس من أغلاط المتأخرين كالامام الرازي ومن اقتفى اثره الا ان ادراكها يختلف فمن المدركات ما يدركها بذاتها كالكليات.
ومنها ما يدركها بواسطة الآلات وهي الجزئيات وذلك بان يتكيف آلات الحواس بالمحسوسات الخاصة بها فتدركها النفس وذلك لان الادراك حضور صوره المدرك فيما به يدرك ولأنها تدرك الكليات بذاتها والجزئيات بآلاتها يكون حضور الكليات في ذاتها وحضور الجزئيات المحسوسة في آلات الحواس لكن لما كان الاحساس انفعال الحاسة بل آلتها عن محسوسها الخاص وجب انفعال آله كل حاسه عن محسوسها