فلا جرم صارت اللذة والأذى فيه أقوى.
أقول ان جالينوس لم يكن حكيم النفس ولا لطيف القلب ذكيا فما ذكره يلزم منه ان يكون لذة الخيال أضعف من اللذات الحسية كلها إذ لا يتصور هناك مقاومة وكذا اللذة العقلية وكأنه لم يدركها.
ثم المقاومة وعدمها مما لا مدخل لها في أصل اللذة والألم بل لو كان ففي دوامها إذ لذة كل قوة بادراك صوره ملائمة لها وألمها بصوره ضدها نعم لكل قوة حد من حدود الوجود بعضها أقوى وبعضها أضعف وبعضها الطف وبعضها أكثف وأقوى الوجودات أقواها لذة.
ولا نسلم ان ما هو أكثف فهو أقوى وما هو الطف فهو أضعف ولا نسلم أيضا ان النار أضعف العناصر والأرض أقوى بل العكس في الجميع أولى وأحق عند التحقيق فان وجود الجن والشياطين أقوى من وجود الحيوان والانسان ولهما أفاعيل شاقه وأعمال قويه لا يقدر على عشر من أعشارها البشر كما هو متواتر الصدق اجمالا وان كانت الخصوصيات آحاديا وأيضا الفلك وما فيه لا شبهة في أنها الطف من العناصر وهي مع ذلك أقوى وأقوم منها من غير شبهة فادراكها أقوى فيكون ألذ فعلم أن الألطف أقوى ادراكا فيكون أشد الذاذا.
واما حال هذه الحواس فالوجه في تفاوت ادراكاتها لمدركاتها ان المزاج الحيواني حاصل من هذه المواد العنصرية ونفسه منبعثة من مزاجه.
ثم الغالب على بدنه الأرض ثم الماء ثم البخار ثم الهواء ثم النار وبعدها ابتدأ الأرواح والأفلاك والأملاك فلهذا الغالب على أكثر الافراد بحكم المناسبة الجنسية ادراك الملموسات ثم المطعومات ثم المشمومات ثم المسموعات والمبصرات ثم المتخيلات والمظنونات ثم العقليات واليقينيات وهكذا قياس لذاتهم وآلامهم التابعة لمدركاتهم