رابعا، يؤمن علي بأن قوى الخير في الإنسان تتداعى ويشد بعضها بعضا شدا مكينا.
فإذا وجد في إنسان جانب من الخير فلا بد من ارتباطه بجوانب أخرى منه، ولا بد من ظهور هذه الجوانب عند المناسبات. وفي هذه النظرة إشارة صريحة إلى أن الوجود واحد متكافئ عادل خير سواء أكان وجودا عاما كبيرا، أو وجودا خاصا مصغرا يتمثل بالانسان: (إذا كان في رجل خلة رائقة فانتظروا أخواتها!) خامسا، ومثل هذه العدوي الخيرة بين الخلال الرائقة، عدوي مماثلة تنتقل من الخير إلى الشر بين الناس والناس: (جالس أهل الخير تكن منهم!) و (اطلبوا الخير وأهله).
سادسا، الإيمان العميق في طاقة الإنسان أيا كان أن ينهج نهج الخير، وأنه ليس من إنسان أجدر من إنسان آخر بهذا النهج: (ولا يقولن أحدكم إن أحدا أولى بفعل الخير مني!) سابعا، على المرء ألا يستكثر من فعل الخير كثيرا. بل إن ما يفعله من خير يظل قليلا مهما كان كثيرا لأن في الاكتفاء بقدر من الخير جحودا بخير الوجود العظيم وإنكارا لطاقة الإنسان الذي ينطوي فيه العالم الأكبر. يقول علي في أهل الخير: (ولا يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون (1)) ثامنا، لا بد من الإشارة إلى النظرة العميقة التي يلقيها علي على مفاهيم النزوع الإنساني إلى ما يجعل الناس، كل الناس، في نعيم.
فإذا نحن نظرنا في آثار معظم المفكرين الذين أعاروا شؤون الناس اهتمامهم، رأينا أن لفظة (السعادة) هي التي تتردد في هذه الآثار، وأن مدلول هذه اللفظة إنما، هو بالذات، مدار أبحاثهم وغاية ما يريدون. أما علي فقد استبدل بلفظة (السعادة) هذه ما هو أبعد مدى، وأعمق معنى، وأرحب أفقا، وأجل شأنا في ما يجب أن تتصف به الطبيعة الإنسانية ويصبو إليه. لقد استبدل ب (السعادة) هذه، لفظة (الخير) فما كان يوجه القلوب إليها بل إليه. لأن في السعادة ما هو محصور في نطاق الفرد، ولأن الخير ليس