حتى أصبه على السد بين الجبلين وينسد بذلك النقب ويصير جدارا مصمتا، فكانت حجارته الحديد وطينه النحاس الذائب.
ففي المورد وأضرابه التي بنيت عليها الحياة الإنسانية في هذا الكوكب، لا يشترط بين الوسيلة والهدف سوى الرابطة الطبيعية أو العادية التي كشف عنها العلم والتجربة وأما التوسل في الأمور الخارجة عن نطاق الأمور العادية، فبما أن التعرف على أسبابه خارج عن إطار العلم والتجربة بل يعد من المكنونات الغيبية، فلا يقف عليها الإنسان إلا عن طريق الشرع وتنبيه الوحي، وبيان الأنبياء والرسل وما ذاك إلا لأنهم هم الذين يرفعون الستار عن وجه الحقيقة ويصرحون بالوسيلة ويبينون بأن هناك صلة بينها وبين ما يبغيه الإنسان المتوسل.
وهذا الأصل يبعثنا إلى أن لا نتوسل بشئ فيما نبتغيه من رضا الرب، وغفران الذنوب واستجابة الدعاء ونيل المنى، إلا عن طريق ما عينه الشارع وصرح بأنه وسيلة لذلك الأمر، فالخروج عن ذلك الإطار يسقطنا في مهاوي التشريع ومهالك البدع التي تعرفت على مضاعفاتها.
فالمسلمون سلفهم وخلفهم، صحابيهم وتابعيهم، والتابعون لهؤلاء بإحسان في جميع الأعصار ما كانوا يخرجون عن ذلك الخط الذي رسمناه، فما ندب إليه الشرع في مجال التوسل يأخذون به، وما لم يذكره، أو نهى عنه يتركونه، ولا اعتبار بالبدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وها نحن نتلو عليك التوسلات المشروعة التي ندب إليها الشرع، وحث عليها النبي الأكرم وخلفاؤه مجتنبين عن الإسهاب في الكلام، مقتصرين على اللب تاركين القشر.