إلى مصدر كذلك، فإذن تتطلب هذه المحمولات موضوعا واحدا لنفسها، حتى لا تكون القضية مجرد انتسابات بلا موضوع، وعندئذ يكون هذا المصدر الواحد هو الشخصية الواقعية للإنسان التي نعبر عنها بروحه ونفسه.
فالنتيجة: أن الشخصية الإنسانية تكمن وراء جسمه وصورته الظاهرية.
ثبات الشخصية الإنسانية في دوامة التغييرات الجسدية:
إن كل واحد منا يحس بأنه باق في دوامة التغيرات والتحولات التي تطرأ على جسمه، فمع أنه تمر عليه أحوال كثيرة وتبدلات جوهرية عبر مراحل الطفولة، والصبي، والشباب، والشيخوخة، إلا أنه يجد أن شيئا واحدا ينسب إليه جميع هذه الصفات والحالات وهو باق خلال هذه التغييرات، غير متغير. فيقول: أنا الذي كنت طفلا، ثم يافعا، ثم شابا، ثم كهلا، ثم شيخا، فيدرك أن هناك حقيقة باقية ثابتة رغم تغيير كل هذه الأحوال والأوضاع وتصرم الأزمنة وانقضاء الأوقات، فقد تغير كل شئ خلال سبعين سنة ولكن هناك أمر باق لم يتغير ولم يتبدل، وهو الذي يحمل تلك الصفات والأحوال، فالمتغير غير الثابت، والتغير آية المادية، والثبات آية التجرد عن أحكام المادة.
بل نرى أنه ينسب إلى نفسه الفعل الذي قام به قبل خمسين سنة ويقول: " أنا الذي كتبت هذا الخط يوم كنت طفلا " وهذا يعرب عن إدراكه بوجدانه أنه هو الذي كتب ذلك الخط سابقا، فلو لم يكن هناك شئ ثابت إلى زمان نطقه بهذا الكلام لزم كذب القضية وعدم صحتها، وذلك لأنه لو كان الإنسان خلاصة الأجزاء المادية الظاهرة فالمفروض أنها زالت وحدثت بعدها شخصيات جسمانية متعددة، فأين الإنسان أيام صباه، منه أيام شيخوخته، وقد تحولت وتبدلت عظامه وعروقه وأعصابه في دوامة التغيرات وتحلل منه كل شئ وتخلفت عنه