شرك من غير فرق بين الحالتين.
هذا خلاصة البحث حول حصر العبادة بالله سبحانه، وإذا أمعنت فيما ذكرنا يمكنك الإجابة على بعض ما أثارته بعض المناهج الفكرية في الأوساط الإسلامية حول هذه الأمور، التي نسبت جل المسلمين إلى الشرك في العبادة مع أنهم بمنأى عن الشرك.
الفوضى في التطبيق بين الإمام والمأموم لقد ترك الإهمال في تفسير العبادة تفسيرا منطقيا، فوضى كبيرة في مقام التطبيق بين الإمام والمأموم فنرى أن إمام الحنابلة أحمد بن حنبل (164 - 241 ه) صدر عن فطرة سليمة في تفسير العبادة، وأفتى بجواز مس منبر النبي (صلى الله عليه وآله) والتبرك به وبقبره وتقبيلهما عندما سأله ولده عبد الله بن أحمد، وقال: سألته عن الرجل يمس منبر النبي (صلى الله عليه وآله) ويتبرك بمسه، ويقبله، ويفعل بالقبر مثل ذلك، يريد بذلك التقرب إلى الله عز وجل، فقال: " لا بأس بذلك " (1).
هذه هي فتوى الإمام - الذي يفتخر بمنهجه أحمد بن تيمية، وبعده محمد بن عبد الوهاب - ولم ير بأسا بذلك، لما عرفت من أن العبادة ليست مجرد الخضوع، فلا يكون مجرد التوجه إلى الأجسام والجمادات عبادة، بل هي عبارة عن الخضوع نحو الشئ، باعتبار أنه إله أو رب، أو بيده مصير الخاضع في عاجله وآجله، وأما مس المنبر أو القبر وتقبيلهما، كل ذلك لغاية التكريم والتعظيم لنبي التوحيد، وإن كان لغاية التبرك، فلا يتجاوز التبرك في المقام عن تبرك يعقوب بقميص ابنه يوسف، ولم يخطر بخلد أحد من المسلمين إلى اليوم الذي جاء فيه ابن تيمية بالبدع الجديدة، أنها عبادة لصاحب القميص والمنبر والقبر أو لنفس تلك الأشياء.