فقد كان البسطاء يخوضون في تفسيرها من دون إرجاعها إلى المحكمات التي هي أم الكتاب وما هذا إلا لقصور أفهامهم وقلة بضاعتهم العلمية، فكان واجبهم السكوت وسؤال الراسخين في العلم، دون الخوض فيها.
إن للشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا نصيحة لطلاب الفلسفة والحكمة، يحثهم على عدم إذاعة ذلك العلم بين أناس ليس لهم قابلية التفكير الواسع، فيقول في آخر كتاب الإشارات:
" أيها الأخ إني قد مخضت لك في هذه الإشارات عن زبدة الحق، وألقمتك قفي (1) الحكم في لطائف الكلم. فصنه عن الجاهلين والمبتذلين ومن لم يرزق الفطنة الوقادة والدربة والعادة وكان صغاه (2) مع الغاغة، أو كان من ملحدة هؤلاء الفلاسفة ومن همجهم، فإن وجدت من تثق بنقاء سريرته واستقامة سيرته وبتوقفه عما يتسرع إليه الوسواس، وينظر إلى الحق بعين الرضا والصدق فآته ما يسألك منه مدرجا مجزءا مفرقا تستفرس مما تسلفه لما تستقبله. وعاهده بالله وبأيمان لا مخارج لها ليجري فيما يأتيه مجراك متأسيا بك فإن أذعت هذا العلم أو أضعته فالله بيني وبينك وكفى بالله وكيلا " (3).
4 - التعصب الممقوت وهناك سبب آخر لا يقل تأثيره عما سبق من الأسباب وهو تقليد الآباء والأجداد، وصيانة كيانهم وسننهم، فإن اتباع الأهواء القبلية والقومية وما شاكل فإنها من أعظم سدود المعرفة وموانعها، وهي التي منعت الأمم عبر التاريخ من