والمقصود من التوسل في المقام، هو أن يقدم العبد إلى ربه شيئا، ليكون وسيلة إلى الله تعالى لأن يتقبل دعاءه ويجيبه إلى ما دعا، وينال مطلوبه، مثلا إذا ذكر الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ومجده وقدسه وعظمه، ثم دعا بما بدا له، فقد اتخذ أسماءه وسيلة لاستجابة دعائه ونيل مطلوبه، ومثله سائر التوسلات، والتوسل بالأسباب في الحياة أمر فطري للإنسان، فهو لم يزل يدق بابها ليصل إلى مسبباتها، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): " أبى الله أن تجري الأشياء إلا بأسباب فجعل لكل شئ سببا " (1).
إن الوسيلة إذا كانت وسيلة عادية للشئ وسببا طبيعيا له، فلا يشترط فيها إلا وجود الصلة العادية بين الوسيلة والمتوسل إليه، فمن يريد الشبع فعليه الأكل ولا يريحه شرب الماء، إذ لا صلة بين شرب الماء، وسد الجوع، فالعقلاء في حياتهم الدنيوية ينتهجون ذلك المنهج بوازع فطري، أو بعامل تجريبي، نرى أن ذا القرنين عندما دعي إلى دفع شر يأجوج ومأجوج اللذين كانوا يأتيان من وراء الجبل ويفسدان ويقتلان ويغيران عليهم، لبى دعوتهم وتمسك بالسبب الطبيعي القويم الذي يدفع به شرهم فخاطبهم بقوله: {آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} (2).
ففي هذا الموقف العصيب توسل ذو القرنين - ذلك الإنسان الإلهي - بسبب طبيعي، إذ إنه وقف على الصلة بين الوسيلة وما يهدف إليه، وهو سد الوديان بقطع الحديد حتى إذا ساوى بين الجبلين أمر الحدادين أن ينفخوا في نار الحديد التي أوقدت فيه حتى جعله نارا، وعند ذلك قال: إئتوني نحاسا مذابا أو صفرا مذابا،