استعان بالله - في الحقيقة - لأنه تعالى هو الذي منح هذه العوامل القدرة على إنماء ما أودع في بطن الأرض من بذر ومن ثم إنباته والوصول به إلى حد الكمال.
2 - وإذا استعان بإنسان أو عامل طبيعي مع الاعتقاد بأنه مستقل في وجوده، أو في فعله عن الله، فلا شك أن ذلك الاعتقاد يصير شركا، والاستعانة به عبادة.
فإذا استعان زارع بالعوامل المذكورة وهو يعتقد بأنها مستقلة في تأثيرها أو أنها مستقلة في وجودها ومادتها كما في فعلها وقدرتها، فالاعتقاد شرك، والطلب عبادة.
وبذلك يظهر أن الاستعانة المنحصرة في الله المنصوص عليها في قوله تعالى {وإياك نستعين} هي الاستعانة بالمعونة المستقلة النابعة من ذات المستعان به، غير المتوقفة على شئ، فهذا هو المنحصر في الله تعالى، وأما الاستعانة بالإنسان الذي لا يقوم بشئ إلا بحول الله وقوته وإذنه ومشيئته، فهي غير منحصرة بالله سبحانه، بل إن الحياة قائمة على هذا الأساس، فإن الحياة البشرية مليئة بالاستعانة بالأسباب التي تؤثر وتعمل بإذن الله تعالى.
وعلى ذلك لا مانع من حصر الاستعانة في الله سبحانه بمعنى، وتجويزها بغيره بمعنى آخر وهو ما له نظر في الكتاب العزيز.
ولإيقاف القارئ على هذه الحقيقة نلفت نظره إلى آيات تحصر جملة من الأفعال الكونية في الله تارة، مع أنها تنسب نفس الأفعال في آيات أخرى إلى غير الله أيضا، وما هذا إلا لعدم التنافي بين النسبتين لاختلاف نوعيتهما فهي محصورة في الله سبحانه مع قيد الاستقلال، ومع ذلك تنسب إلى غير الله مع قيد التبعية والعرضية.
الآيات التي تنسب الظواهر الكونية إلى الله وإلى غيره:
1 - يقول سبحانه: {وإذا مرضت فهو يشفين} (1). بينما يقول سبحانه في