ويتجاهل حتى أعضاءه الداخلية والخارجية ويجعل نفسه في فراغ من كل شئ وعندئذ يستشعر بذاته، أي سيدرك شيئا غير جسمه وأعضائه وأفكاره وبيئته التي أحاطت به، وتلك هي " الذات الإنسانية " أي الروح أو النفس الإنسانية التي لا يمكن أن تفسر بشئ من الأعضاء والحواس والقوى.
وهذه البينونة أظهر دليل على أن للإنسان وراء جسمه وأعضائه المغفول عنها في بعض الظروف، حقيقة واقعية غير مغفول عنها أبدا، وأن الإنسان ليس هو جسمه وأعضاؤه وخلاياه.
وقد لخص الرازي هذا البرهان وقال: إني أكون عالما بأني " أنا " حال، أكون غافلا عن جميع أجزائي وأبعاضي، والمعلوم، غير ما هو غير معلوم فالذي أشير إليه بقولي مغاير لهذه الأعضاء والأبعاض (1).
إلى هنا اكتفينا بالبراهين الواضحة التي يسهل التمعن فيها لكل إنسان واع وإن لم يدخل مدرسة كلامية أو فلسفية، وبذلك استغنينا عن البراهين المعقدة التي أقامها الفلاسفة على وجود الروح في كتبهم، وبما أن رسالتنا في هذه البحوث مقتصرة على الاعتماد على الكتاب والسنة، لذلك ندرس واقع الإنسان وحقيقته على ضوء ذينك المصدرين ونكتفي في هذا الحقل بآيات ثلاث.
القرآن وحقيقة الشخصية الإنسانية:
إذا استعرضنا آيات القرآن الكريم نقف على أنها تدل تارة بوضوح وأخرى بالإشارة على أن واقع الإنسان وشخصيته غير جسمه المادي، ونحتج في المقام بآيات: