ج - الشفاعة المصطلحة وحقيقة هذه الشفاعة تعني أن تصل رحمته سبحانه ومغفرته وفيضه إلى عباده عن طريق أوليائه وصفوة عباده، وليس هذا بأمر غريب، فكما أن الهداية الإلهية التي هي من فيوضه سبحانه، تصل إلى عباده في هذه الدنيا عن طريق أنبيائه وكتبه، فهكذا تصل مغفرته سبحانه وتعالى إلى المذنبين والعصاة يوم القيامة من عباده عن ذلك الطريق.
ولا يبعد في أن يصل غفرانه سبحانه إلى عباده يوم القيامة عن طريق خيرة عباده، فإن الله سبحانه قد جعل دعاءهم في الحياة الدنيوية سببا، ونص بذلك في بعض آياته. فنرى أن أبناء يعقوب لما عادوا خاضعين، رجعوا إلى أبيهم، وقالوا له: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} (1) فأجابهم يعقوب بقوله:
{سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} (2).
ولم يقتصر الأمر على يعقوب فحسب، بل كان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ممن يستجاب دعاؤه أيضا في حق العصاة، قال سبحانه: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} (3). وهذه الآيات ونظائرها مما لم نذكرها مثل قوله: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} (4) تدل على أن مغفرته سبحانه قد تصل إلى عباده بتوسيط واسطة كالأنبياء، وقد تصل بلا توسيط واسطة، كما يفصح عنه سبحانه بقوله: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى