فالمخاطب هو نفس الإنسان لا بدنه ولا أعضاؤه فتدل على أنها واقعه والباقي كسوة عليها.
الآية الثالثة:
قال سبحانه: {فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون} (1).
وجه الدلالة: أن الحلقوم جزء من جسمه فهناك أمر آخر يبلغ الحلقوم عند الموت وليس إلا النفس التي تنتقل من دار إلى دار. ولو كانت حقيقة الإنسان هو جسده المادي، فلا معنى للبلوغ ولا للنزوع والخروج.
وبذلك يعلم أن بعض ما سنستدل به في الفصل الآتي، يدل ضمنا على ما نحن الآن بصدد بيانه، ولأجل ذلك نقتصر في المقام على الآيات الثلاث، ونحيل الاستدلال بغيرها إلى ما سيوافيك في المبحث القادم.
ما هي حقيقة النفس الإنسانية؟
إن كثيرا من القوى الطبيعية معروفة بآثارها لا بحقائقها، فالكهرباء نعرفها بآثارها، كما أن الذرة أيضا كذلك، فالعالم بالحقائق هو الله سبحانه، وليس حظ الإنسان في ذلك الباب إلا الوقوف على الآثار، فإذا كانت هي حال القوى الكامنة في الطبيعة، فالروح أولى بأن تكون كذلك، غير أن كثيرا من المتكلمين وبعض المحدثين خاضوا في هذا الباب ولم يأتوا بشئ واضح، وأقصى ما عندهم: أنها جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني، علوي، خفيف، حي، متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، والدهن في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة