العبادة، وهو فيما إذا دعا شخصا بما أنه إنسان وعبد من عباد الله غير أنه قادر على إنجاز طلبه بإقدار منه تعالى وإذن منه، فليس مثل هذه الدعوة عبادة، بل سنة من السنن الإلهية في الكون، هذا هو ذو القرنين يواجه قوما مضطهدين يطلبون منه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا فعند ذلك يخاطبهم ذو القرنين بقوله: {ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} (1) وها هو الذي من شيعة موسى يستغيث به، يقول سبحانه: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه} (2) وهذا هو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يدعو قومه للذب عن الإسلام في غزوة أحد وقد تولوا عنه، قال سبحانه: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم} (3) فهذا النوع من الدعاء قامت عليه الحياة البشرية، فليس هو عبادة، وإنما هو توسل بالأسباب، فإن كان السبب قادرا على إنجاز المطلوب كان الدعاء أمرا عقلائيا وإلا يكون لغوا وعبثا.
ثم إن القائلين بأن دعاء الصالحين عبادة، عند مواجهتهم لهذا القسم من الآيات وما تقتضيه الحياة الاجتماعية، يتشبثون بكل طحلب حتى ينجيهم من الغرق ويقولون إن هذه الآيات تعود على الأحياء ولا صلة لها بدعاء الأموات، فكون القسم الأول جائزا وأنه غير عبادة، لا يلازم جواز القسم الثاني وكونه غير عبادة.
ولكن عزب عن هؤلاء أن الحياة والموت ليسا حدين للتوحيد والشرك ولا ملاكين لهما، بل هما حدان لكون الدعاء مفيدا أو لا، وبتعبير آخر ملاكان للجدوائية وعدمها.