لا بالذات، وبنحو الاستقلال، فإذا كانت الاستعانة - على النحول الأول - خاصة بالله تعالى، فإن ذلك لا يدل على أن الاستعانة بصورتها الثانية مخصوصة به أيضا.
ثانيا: إن استعانة - كهذه - غير منفكة عن الاستعانة بالله، بل هي عين الاستعانة به تعالى، وليس في نظر الموحد (الذي يرى أن الكون كله من فعل الله ومستندا إليه) مناص من هذا.
وأخيرا نذكر القارئ الكريم بأن مؤلف المنار حيث إنه لم يتصور للاستعانة بالأرواح إلا صورة واحدة لذلك اعتبرها ملازمة للشرك فقال:
" ومن هنا تعلمون: إن الذين يستعينون بأصحاب الأضرحة والقبور على قضاء حوائجهم وتيسير أمورهم وشفاء أمراضهم ونماء حرثهم وزرعهم، وهلاك أعدائهم وغير ذلك من المصالح هم عن صراط التوحيد ناكبون، وعن ذكر الله معرضون " (1).
ويلاحظ عليه: أن الاستعانة بغير الله (كالاستعانة بالعوامل الطبيعية) على نوعين:
إحداهما عين التوحيد، والأخرى موجبة للشرك، إحداهما مذكرة بالله، والأخرى مبعدة عن الله.
إن حد التوحيد والشرك ليس هو كون الأسباب ظاهرية أو غير ظاهرية، وإنما هو استقلال المعين وعدم استقلاله. وبعبارة أخرى المقياس: هو الغنى والفقر، هو الأصالة وعدم الأصالة.
إن الاستعانة بالعوامل غير المستقلة المستندة إلى الله، التي لا تعمل ولا تؤثر إلا بإذنه تعالى غير موجبة للغفلة عن الله، بل هو خير موجه، ومذكر بالله. إذ معناها:
انقطاع كل الأسباب وانتهاء كل العلل إليه.