تجعل كل مظهر من مظاهر الحياة المادية خطيئة كبرى، فدعت إلى الرهبانية، وترك ملاذ الحياة، والانعزال عن المجتمع، والعيش في الأديرة وقلل الجبال، وتحمل الظلم والرفق مع المعتدين، كما غالت اليهودية في الانكباب على المادة حتى نسيت كل قيمة روحية وجعلت الحصول على المادة بأي وسيلة كانت، المقصد الأسنى، ودعت إلى القومية الغاشمة والطائفية المقيتة.
وهذه المبادئ سواء أصحت عن الكليم والمسيح (عليهما السلام) أم لم تصح (ولن تصح إلا أن يكون لإنقاذ الشعب الإسرائيلي من ملاذ الحياة يوم ذاك وإنجائهم عن التوغل في الماديات، وسحبهم إلى المعنويات بشدة وعنف.
وإن شئت قلت: كانت تعاليمه إصلاحا مؤقتا لإسراف اليهود وغلوهم في عبادة المال حتى أفسدوا أخلاقهم، وآثروا دنياهم على دينهم) هذه المبادئ لا تتماشى مع الحضارات الإنسانية التقدمية ولا تسعدها في معترك الحياة، ولا تتلاءم مع حكم العقل ولا الفطرة السليمة.
لكن الإسلام جاء لينظر إلى واقع الإنسان، بما هو كائن، لا غنى له عن المادة، ولا عن الحياة الروحية، فأولاهما عنايته، ودعا إلى المادة والالتذاذ بها بشكل لا يضر بالحياة الروحية، كما دعا إلى حياة روحية لا تصطدم مع الفطرة وطبيعتها.
هذه هي حقيقة الإسلام ومرونته وسبب تماشيه مع الحضارات المختلفة حتى حضارة اليوم الصناعية، فلو حصرنا الجائز من العاديات بما في عصر النبي تكون النتيجة حياد الإسلام عن الساحة، وبطلانه، مع أنه خاتم الشرائع، وكتابه خاتم الكتب، ونبيه خاتم النبيين.
والآن هلم معي ندرس آراء المتزمتين في الأمور العادية ثم نبكي على الإسلام وأهله:
1 - يقول الشاطبي: إن من السلف من يرشد كلامه إلى أن العاديات كالعبادات، فكما أننا مأمورون في العبادات بأن لا نحدث فيها فكذلك العاديات،