أقول: إنه (قدس سره) قد سلم أن العقول الناقصة لا تستطيع أن تدرك حسن جميع الأفعال أو قبحها، ولكنه أذعن بأن جميع الأفعال غير خارجة عن إطار الحسن والقبح فالفعل إما حسن أو قبيح ونحن نعلق على كلامه الثاني، ونقول:
إن ما ذكره من أن اختلاف الآثار خيرا وشرا ناشئ من اختلاف درجات وجودها من حيث السعة والضيق، كلام تام ولكنه غير منطبق على المقام، فإن تفسير اختلاف الآثار باختلاف الموضوع إنما يصح إذا كان بين الموضوعين اختلاف جوهري، كما مثل بالحجر أو الشجر، وأما إذا كانا ينطويان تحت عنوان واحد - كما هو الحال في أفعال الإنسان - فالجميع فعل صادر عن فاعل مختار لغاية من الغايات، فليس هناك اختلاف في الموضوع حتى يفسر اختلاف الآثار باختلافه. مثلا ضرب اليتيم للتأديب حسن، وضربه تشفيا قبيح، فماهية الفعل في الجميع واحدة وإنما الاختلاف في الغاية.
فالعدل والظلم كلاهما من مقولة الفعل، أحدهما وضع الشئ في موضعه، كدفع مال اليتيم إليه، والآخر وضعه في غير موضعه كسلبه عنه ويختلفان بالإيجاب والسلب، لكن الفارق هو أن الأول حسن والآخر قبيح، فلا يمكن تفسير حسن الأفعال وقبحها من ناحية الاختلاف الماهوي في الموضوع.
وعلى أية حال فالمهم هو مناقشة ما ذهب إليه من عمومية الحسن والقبح لعامة الأفعال فيرد عليه أن لازم ذلك انحصار الأحكام الخمسة في الحرمة والوجوب، أو فيهما مع إضافة الكراهة والاستحباب، بذريعة إدخال الكراهة تحت عنوان القبيح، والاستحباب تحت عنوان الحسن، مع أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى خمسة.
والإنسان وإن كان لا يبلغ المستوى الذي يؤهله للوقوف على ملاكات