وقال أيضا: لا خفاء في اختلاف الأشياء بالقياس إلى كل واحد من الحواس الظاهرة والقوى الباطنة، ملائمة ومنافرة وكذا بحسب الطبائع والغرائز، فرب شئ يلائم الباصرة أو السامعة، وينافرها آخر، فالقوة العاقلة أيضا تكون معجبة لبعض ما تدركه وتطلع عليه لملائمته لها ومشمئزة من الآخر لمنافرته لها.
وقال أيضا: لا مجال لإنكار اختلاف الأفعال بحسب خصوصيات وجودها سعة وضيقا وخيرا وشرا (وهذا الاختلاف في سعة الوجود وضيقه) هو الموجب لاختلافها بحسب المنافرة والملائمة للقوة العاقلة، ومع هذا لا يكاد أن يبقى مجال لإنكار الحسن والقبح عقلا، إذ لا نعني بهما إلا كون الشئ في نفسه ملائما للعقل أو منافرا له، وبالضرورة يوجبان صحة المدح والقدح في الفاعل إذا كان مختارا.
ثم إنه (قدس سره) أثار سؤالا، وقال:
فإن قلت: عليه لا بد من استقلال العقل بالحسن أو القبح في جميع الأفعال مع بداهة فساد ذلك.
ثم أجاب وقال: هذا بالنسبة إلى العقول القاصرة الناقصة لعدم إحاطتها بجهات الخير والشر دون العقول الكاملة المحيطة بجميع جهات الأفعال، فلا يكاد أن يشذ فعل عن تحت حكومتها بالحسن والقبح، لكمال إحاطتها بجهاتها، ولا يبعد أن تكون الصحيفة المكتوبة فيها جميع الأحكام الموروثة من إمام إلى إمام، كناية عن عقل الإمام المنعكس فيه جميع الكائنات على ما هي عليها لتمام صفائه. (1)