وهو في الفلسفة تلميذ " ذيمقراطيس " الذي يقول: إن الأصل في كل معرفة هو الحس، وعن طريقه وحده تتم المعرفة، وإن الأجسام مؤلفة من أجزاء لا تتجزأ.
واللازم هنا دراسة الأخلاق الأبيقورية، وخلاصتها أن " أبيقور " يفرق بين أنواع عدة من اللذة والألم، فهو لا ينظر إلى اللذة بحسبانها اللذة الحسية الصرفة، التي يجدها الإنسان في الإحساس المباشر بما هو ملائم في اللحظة والزمن المعينين بل يفاضل بين اللذات بعضها وبعض، وبين الآلام بعضها وبعض، فيجعل بعض الآلام أفضل من بعض اللذات، لأن في احتمال هذه الآلام ما يؤدي إلى لذة أكبر، ولأن في تجنب هذه اللذات ما يؤدي إلى تجنب آلام أكبر. (1) إنما يجب أن نحسب حسابا إلى جانب الآلام واللذات في ذاتها، للذات والآلام المترتبة عليها، فإذا كنا نجد لذة تنتج ألما تأثرنا به أشد بكثير من تنعمنا وتملينا باللذة الأولى، كان علينا أن نتجنب هذه اللذة حرصا على تجنب ألم أكبر، وإذا كان بعض الآلام من شأنه أن ينقضي إلى لذة درجتها أكبر من درجة الألم المنتج لها، كان علينا أن نعاني هذا الألم حرصا على تحصيل هذه اللذة الكبرى.
إن المذهب اللذي عند أبيقور يختلف كل الاختلاف عن المذهب اللذي عند القورينائيين (2)، فهؤلاء كانوا يطلبون اللذة كائنا ما كان نوعها، أو درجتها، أو النتائج المترتبة عليها، ولم يكونوا ينظرون إلى اللذات بوصفها تكون كلا واحدا متصلا بلذات الإنسان، بل كانوا ينظرون إلى هذه اللذات كأشياء مفردة مستقلة بعضها عن بعض، وكأن لحظات الحياة الإنسانية المتتابعة مستقلة بعضها عن بعض، حتى ليعطي الإنسان أو ليجب عليه أن يعطي كل لحظة استقلالها وقيامها بذاتها. ولا داعي إذا للنظر إلى ما يترتب عليها مما يجري في لحظات تالية.