أما الأبيقوريون، فعلى العكس من ذلك ينظرون إلى لحظات الحياة الإنسانية المتتابعة بحسبانها تكون وحدة، فيضطرون بالتالي إلى جعل اللحظات المكونة للحياة تعتمد الواحدة منها على الأخرى.
وبالتالي يجب أن نراعي اللحظة التالية، ونحن ننظر إلى اللحظة السابقة، فإذا كانت الحال على هذا النحو، فقد يكون ما تتصف به لحظة مستقلة عن غيرها ومنظورا إليها بوصفها وحدة مستقلة، مخالفا كل المخالفة لما يجب أن ننظر به إلى هذه اللحظة بوصفها جزءا من كل. (1) إن هذا المذهب يفارق المذهب الأول في أمرين بعد اشتراكهما في أن مناط السعادة هو اللذة:
الأول: إدخال عنصر العقل في وصف الشئ باللذة، فاللذة المستتبعة ألما كثيرا ليس بلذة.
الثاني: إنه يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار معدل المجموع الكلي للذات التي يصادفها الإنسان، فلو كان شئ لذيذا حاليا ومؤلما في المستقبل فهذا ليس بلذة.
يلاحظ على ذلك أولا: أن المذهب وإن كان أسلم من المذهب الأول ولكنه يشاركه في أنه جعل محور الأخلاق هو الأنانية واللذة الشخصية، لكن محددة بقضاء العقل بأعمالها، مع أن هناك أمورا معنوية يلتذ بها الآخرون كإغاثة الملهوفين وإعانة المنكوبين.
وهذا يعرب عن أنه نظر إلى الإنسان كأرسطيفوس من زاوية ضيقة وهي الالتذاذ بالغرائز الحيوانية، غير أن أرسطيفوس جعل مطلق اللذة ملاك السعادة، ولكن أبيقور جعل اللذة محددة بحدين كما عرفت.