ثم إن الخلق باعتقاد الموحدين ليس ناشئا عن العدم، إذ العدم فقد، والفاقد لا يعطي شيئا، بل هو ناش من إيجاده تعالى وهو عين الوجود.
ومن جملة شبهاتهم: أنهم يقولون على قاعدة تطور الأنواع وخروج بعضها من بعض: إن كل نوع متولد من نوع آخر، فالإنسان متولد من الحيوان كما تشهد الآثار الحفرية على أنه متولد من القردة، مع أن الإلهيين اعتقدوا بأن الله خلق كل واحد من الأنواع على حدة.
وأجيب عنه: بأن فرضية التطور على فرض صحتها في مورد، لا دليل على عمومها وشمولها: لأن التجربة لا تقدر على إثبات القاعدة والقانون من دون ضميمة البراهين والعلوم العقلية، فدعوى تطور كل نوع من نوع آخر بمجرد تجربة تولد نوع من نوع، لا دليل عليها.
هذا مضافا إلى أن المكشوف بالآثار الحفرية هو التكامل والتطور في ناحية من النواحي كالأعضاء أو الصفات في نوع، لا تولد نوع من نوع، ولذلك قال العلامة الطباطبائي - قدس سره -: " ولم يعثر هذا الفحص والبحث على غزارته وطول زمانه على فرد نوع كامل متولد من فرد نوع آخر على أن يقف على نفس التولد دون الفرد والفرد وما وجد منها شاهدا على التغيير التدريجي فإنما هو تغيير في نوع واحد بالانتقال من صفة لها إلى صفة أخرى لا يخرج بذلك عن نوعيته والمدعى خلاف ذلك " (1).
وقال في موضع آخر: " إن التجارب لم يتناول فردا من أفراد هذه الأنواع تحول إلى فرد من نوع آخر كقردة إلى إنسان، وإنما يتناول بعض هذه الأنواع من حيث خواصها ولوازمها وإعراضها - إلى أن قال -: فالحقيقة التي يشير إليها القرآن الكريم من كون الإنسان نوعا مفصولا عن سائر الأنواع غير معارضة