الحرية الحقيقية ولكنهم يطلبون الراحة وعدم المسؤولية وإشباع الأهواء والميول النفسانية، ويزعمون أن الحرية في إطلاق النفس في هذه الأمور. وإما اشمئزازا من عمل بعض الداعين إلى الدين كأرباب الكنيسة في عهد رنسانس، مع أن العمل سيما عن بعض الداعين لا يلزم بطلان الدعوى. وأما من جهة أوهام وشبهات، مع أنهم لو رجعوا فيها إلى علماء الدين لما بقي لهم فيها شبهة، ولكنهم لم يرجعوا عنادا أو غرورا، أو رجعوا إلى من لم يكن أهلا لذلك " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (1).
وكيف كان فمن جملة شبهاتهم: أنهم يقولون كيف يمكن أن نعتقد بما لا يكون قابلا للادراك الحسي، مع أنه لا دليل على حصر الوجود في المحسوس بالادراكات الحسية كالسمع والبصر والشامة والذائقة واللامسة، لوجود أشياء من الماديات فضلا عن المجردات لا تدرك بتلك الادراكات، كبعض الأصوات التي لا تدرك إلا بآثارها، مثل الأمواج فوق الصوتية أو دونها التي لا نقدر على سماعها، والأنوار التي لا تحس إلا بآثارها كالأشعة غير المرئية مما يكون قبل اللون الأحمر ودونه، أو بعد البنفسجي وفوقه، هذا مضافا إلى النفس وأفعالها من الادراك والتصور وصفاتها وأحوالها من الخوف والرجاء والمحبة والعداوة والإرادة والترديد واليقين والظن والحزن والفرح والاقبال والادبار وغير ذلك مما نجدها في أنفسنا، ولا يمكن ادراكها بالادراكات الحسية ولا نعلم بها في غير أنفسنا إلا بآثارها.
ومما يشهد على وجود النفس وراء البدن هو إحضار الأرواح وإرسالها وتجريدها والمنافاة الصادقة وغيرها، وبالجملة فالله تعالى حقيقة غير محسوسة بالحواس، سئل مولانا علي بن موسى الرضا - عليهما السلام - " كيف هو وأين