نفس الموصوف. وأما قوله: " فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه " فهو ظاهر، لأنه لما قرر كون الصفة مغايرة للموصوف لزم أن تكون زائدة على الذات، غير منفكة عنها، فلزم من وصفه بها أن تكون مقارنة لها، وإن كانت تلك المقارنة على وجه لا يستدعي زمانا ولا مكانا. وأما قوله: " ومن قرنه فقد ثناه " فلأن من قرنه بشئ من الصفات فقد اعتبر في مفهومه أمرين: " أحدهما الذات، والآخر الصفة. فكان واجب الوجود عبارة عن شيئين أو أشياء، فكانت فيه كثرة، وحينئذ ينتج هذا التركيب: إن من وصف الله سبحانه فقد ثناه. وأما قوله:
" ومن ثناه فقد جزأه " فظاهر. أنه إذا كانت الذات عبارة عن مجموع أمور كانت تلك الأمور أجزاء لتلك الكثرة من حيث أنها تلك الكثرة وهي مبادئ لها، وضم هذه المقدمة إلى نتيجة التركيب الأول ينتج أن من وصف الله سبحانه فقد جزأه. وأما قوله: " ومن جزأه فقد جهله " فلأن كل ذي جزء فهو يفتقر إلى جزء، وجزئه غيره، فكل ذي جزء فهو مفتقر إلى غيره، والمفتقر إلى الغير ممكن فالمتصور في الحقيقة لأمر هو ممكن الوجود لا واجب الوجود بذاته، فيكون إذن جاهلا به. وضم هذه المقدمة إلى نتيجة ما قبلها ينتج أن من وصف الله سبحانه فقد جهله، وحينئذ يتبين المطلوب وهو أن كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، إذ الاخلاص له والجهل به مما لا يجتمعان، وإذا كان الاخلاص منافيا للجهل به الذي هو لازم لإثبات الصفة له، كان إذن منافيا لإثبات الصفة له، لأن معاندة اللازم تستلزم معاندة الملزوم وإذ بطل أن يكون الاخلاص في إثبات الصفة له، تثبت أنه في نفي الصفة عنه، إلى أن قال:
وذلك هو التوحيد المطلق والاخلاص المحقق الذي هو نهاية العرفان وغاية سعي العارف من كل حركة حسية وعقلية (1).