الست، وما لا يخلو عن الجهات الست، ذو أبعاد ومركب، وإن لم يمكن تجزئتها بالآلات والأدوات المتعارفة، وتسميتها بالجزء البسيط الذي لا يتجزأ، أو الجوهر الفرد، مسامحة في الحقيقة ولعلها باعتبار الأدوات الميسورة. فالمادة أيما صغرت لا تخلو عن التركيب مطلقا، ومن المعلوم أن كل مركب محتاج إلى أجزائه وإلى مؤلف تلك الأجزاء، والواجب غني غن كل حاجة.
على أن كل جزء من أجزاء المركب مقدم عليه في الوجود، إذ المركب يتوقف على أجزائه في الوجود توقف الكل عليها، فالمركب يوجد بعد وجود أجزائه وليس له قبل وجود تلك الأجزاء وجود، مع أن الواجب تعالى ليس بمركب ولا مسبوق بالعدم، كما أنه ليس بمحدود. وبالجملة أوصاف المادة تتغاير مع أوصاف الواجب فلا تليق بأن تسمى واجب الوجود.
ورابعا: بأن المادة إذا كانت استعدادا لقبول التطورات وليست بفعليات، فسبب صيرورة القوة إلى الفعلية: إما عدم - وهو كما ترى - إذ العدم الذي هو لا شئ لا يصلح للتأثير. وإما هو نفسها، وهو أيضا فاسد، لأنها في حال كونها قوة فاقدة الفعليات، إذ يستحيل أن تجتمع قوة الأشياء مع فعليتها في حال واحد، فانحصر الأمر إلى أن السبب هو غير المادة وهو الله تعالى.
وخامسا: أن ملاك الحاجة إلى العلة موجود في المادة أيضا، فإنها ممكنة الزوال، إذ لا يلزم من فرض عدمها محال، وكل ما لا يلزم من فرض عدمه محال فهو ممكن الزوال، ومن المعلوم أن الشئ الذي يمكن زواله ليس بواجب، بل هو ممكن من الممكنات التي تحتاج في وجودها إلى الواجب تعالى.
" ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل شئ وكيل " (1).