كلية الأصل المذكور لا مجال للالتزام بانتهاء العلل والمعلولات إلى الواجب، لجواز توقف العلية على غيره أيضا بعد عدم كلية الأصل المذكور.
ولكنهم لم يتأملوا فيما ذكره الموحدون، وإلا لم يقعوا في هذه الشبهة، فإن الموحدين لا يقولون: بأن كل شئ يحتاج إلى علة حتى يلزم ذلك، بل يقولون:
إن كل معلول يحتاج إلى علة. ومن المعلوم ان المبدأ الواجب الوجود ليس بمعلول فهو غير مشمول للأصل المذكور، فلا يلزم من القول بكون المبدأ المتعال هو العلة الأولى للأشياء، نقض، للأصل المذكور كما لا يخفى.
ومن جملة شبهاتهم: أنهم يقولون: إن ما تنتهي إليه الكشفيات الجديدة في العلم الكيمياوي أن مقدار المادة ووزنها ثابتة ولا يزاد عليه في التبدلات والتحولات ولا ينقص، فلا يوجد شئ من العدم ولا يعدم شئ رأسا بعد وجوده. وعليه فلا حاجة إلى سبب خارجي مع أن الموحدين اعتقدوا بأن الأشياء مخلوقة من العدم.
وأجيب عنه: بأن قانون بقاء المادة على فرض صحته (1) أصل علمي وتجربي، فلا يعم بالنسبة إلى غير مورد التجربة من السابق واللاحق، فلا يمكن به حل مسألة فلسفية، وهي أن المادة هل تكون أزلية وأبدية أم لا؟ بل يحتاج فيه إلى العلوم العقلية، هذا مضافا إلى أن ثبات مقدار المادة والطاقة في التحولات والتغييرات لا يستلزم غناءها عن العلة بعد وجود ملاك الحاجة فيها وهو الإمكان وافتقارها الوجودي وهو أمر يدوم بدوامها، فالمادة مخلوقة وباقية بإذنه تعالى فهي محتاجة إليه تعالى في حدوثها وبقائها.
هذا مضافا إلى تجدد الحياة والشعور ونحوهما في كل لحظة مع أنها ليست من قبيل المادة والطاقة حتى ينافي ازديادها أو نقصانها مع أصل بقاء المادة والطاقة.