غيره ليس إلا من الممكنات، وحيث إن الممكنات موجودة به تعالى فكلها في طول الله تعالى لا في عرضه، وعليه فلا يمكن للمعلول الذي يكون في الطول أن يعارض علته ويضادها، فليس له تعالى مضاد يضاده، إذ وجود كل معلول حدوثا وبقاء منه تعالى، لأنه في حال الحدوث والبقاء ممكن، محتاج وفقير في جميع أموره ويتلقى الوجود منه تعالى فكيف يمكن أن يصير مستقلا في وجوده ومضادا له تعالى، وقد انقدح بذلك أن الخالفية والربوبية أيضا واحدة، لأن غيره تعالى معلول في حدوثه وبقائه له تعالى، فكيف يمكن أن يخلق شيئا أو يربب نفسه أو غيره من دون أن ينتهي إلى علته؟ فكل أثر منه تعالى لا غير، كما اشتهر أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى، فتوحيد الذات يستلزم بالتقرير المذكور التوحيد الأفعالي ولعل عليه يدل قوله تعالى: " ذلكم الله ربكم خالق كل شئ " (1). كما أن التوحيد الأفعالي ومنها التوحيد في الخالقية والربوبية يستلزم التوحيد في العبودية، إذ العبادة لا تليق إلا لمن خلق وربب والمفروض أنه ليس إلا هو تعالى، وأما التوحيد التشريعي فهو أنه لما عرفنا من أن الخالق والرب ليس إلا هو فالجدير أن التشريع حقه، وينبغي أن لا نطيع إلا إياه، إذ الأمر والحكم شأن الخالق العالم بمصالح العباد وهو التوحيد التشريعي " ان الحكم إلا لله " (2) وينبغي أن لا نستعين ولا نطيع إلا منه، إذ الأمور كلها بيده تعالى وهو التوحيد الاستعاني، فالإطاعة لغيره من دون انتساب إليه تعالى باطلة كما أن الاستعانة من غيره من دون أن ينتهي إليه أوهن مما نسجته العنكبوت.
وحيث علمنا بأن كل حسن وجمال يرجع إلى أصله فليكن الحب الأصيل مخصوصا به وهو التوحيد الحبي. ولعل إليه يؤول قول إبراهيم - عليه السلام - كما جاء في القرآن الكريم: " فلما أفل قال لا أحب الآفلين " (3).