ثم لا يخفى عليك أن بعض الأدلة الدالة على إثبات المبدأ المتعالي تكفي أيضا للدلالة على توحيده الذاتي، فإن دليل الفطرة مثلا يدل على أن القلب لا يتوجه إلا إلا حقيقة واحدة، كما يشهد له تعلق الرجاء عند تقطع الأسباب بقادر مطلق واحد لا بمتعدد. هذا مضافا إلى أن مقتضى برهان المحدودية هو اللاحدية اللازمة لصرفية المبدأ المتعال وهي لا تساعد مع التعدد، لأن كل واحد على فرض المتعدد محدود بحدود في قبال الآخر وخال عن وجود الآخر، لأنه في عرضه لا في طوله حتى يكون واجدا لمراتب وجوده بنحو الأعلى وإلا تم وهو خلف في صرفية المبدأ المتعال ولأحديته، بل يحتاج كل واحد منهما في تحديد وجوده إلى حاد آخر، ولذا اشتهر في ألسنة الإشراقيين والفلاسفة أن صرف الشئ لا يتثنى ولا يتكرر.
قال الأستاذ الشهيد المطهري - قدس سره -: إن الحد الوسط في هذا البرهان قد يكون هو الصرفية وقد يكون هو عدم التناهي واللاحدية، فيمكن تقرير البرهان على الوجهين. أحدهما: أن الواجب تعالى هو لا يتناهى إذ لا ينتهى إلى زمان أو مكان أو شرط أو علة أو حيثية أو مرتبة ولا غير ذلك، وكل ما لا يتناهى من جميع الجهات لا يقبل التعدد. وثانيهما: أن وجود الواجب صرف الوجود، إذ لا فقد له حتى يشوبه العدم، بل هو كل الوجود وتمامه والصرف لا يقبل التعدد فالواجب واجد (1).
قال المحقق الإصفهاني - قدس سره -:
وليس صرف الشئ إلا واحدا * إذ لم يكن له بوجه فاقدا فهو لقدس ذاته وعزته * صرف وجوده دليل وحدته ومنه يستبين دفع ما اشتهر * عن ابن كمونة والحق ظهر ولعل إلى برهان الصرف يشير ما رواه في الكافي عن أبي عبد الله