بيان ذلك: أن المقصود من إرسال الرسل وبعث الأنبياء كما عرفت، هو إرشاد الناس نحو المصالح والمفاسد الواقعية، وإعداد مقدمات معها يمكن تربيتهم وتزكيتهم على ما هو الكمال اللائق بمقام الإنسانية وسعادة الدارين، وهو لا يحصل بدون العصمة، إذ مع الخطأ والنسيان أو العصيان لا يقع الإرشاد إلى المصالح والمفاسد الواقعية، كما لا يمكن تربية الناس وتزكيتهم على ما تقتضيه السعادة الواقعية والكمال اللائق بهم. ومن المعلوم أن تصديق الخاطي والعاصي نقض للغرض من إرسال الرسل وهو خلاف الحكمة، فلا يصدر منه تعالى.
وعليه فيكون رسله وأنبياؤه معصومين عن الخطأ والنسيان والعصيان لئلا يلزم نقض الغرض.
وهذا دليل تام، ولكنه أخص من المذهب المختار، لأنه لا يشمل قبل البعثة، فيحتاج في إفادة تمام المراد إلى ضميمة الأدلة الأخرى، كالأدلة السمعية الدالة على أن النبوة شأن المخلصين من العباد، والمصطفين من الأخيار ممن لا سلطة للشيطان عليهم بقوله تعالى: " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب اولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار " (1).
وهنا تقريب آخر يظهر من تجريد الاعتقاد وشرحه وهو كما في الثاني " أن المبعوث إليهم لو جوزوا الكذب على الأنبياء والمعصية، جوزوا في أمرهم ونهيهم وأفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها ذلك، وحينئذ لا ينقادون إلى امتثال أوامرهم، وذلك نقض للغرض من البعثة " انتهى.
وفيه أنه لا يفيد إلا العصمة عن المعصية، وأما العصمة عن الخطأ والنسيان