وفيه أن هذا التعريف أخص، لاختصاصه بالعصمة عن الذنوب، مع أن العصمة كما عرفت على أقسام وأنواع. ثم إن القدرة على الخلاف صحيحة في بعض أقسامها، كالمعاصي والذنوب، فإن هذه الموهبة لا تسلب عنهم الاختيار بالنسبة إليها، وأما العصمة عن الخطأ والسهو والنسيان في تلقي الوحي وإبلاغه، والتفسير والتبيين وغيره، فهي أمر لا يقع باختيارهم، بل يقع بإذنه تعالى بدون وساطة اختيارهم، فلا يعد من أفعالهم.
فالأولى في التعريف أن يقال: إنها موهبة إلهية يمتنع معها ظهور الخطأ والنسيان عنهم، كما يمتنع صدور الذنوب والمعاصي، أو اتخاذ العقائد الفاسدة والآراء الباطلة منهم مع قدرتهم عليهما.
وكيف كان، فقد ظهر مما ذكرناه أن تعريف المصنف - قدس سره - بأن العصمة هي التنزه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان، وإن لم يمتنع عقلا على النبي أن يصدر منه ذلك، من باب تعريفها باللازم والأثر.
ثم إن العصمة على ما عرفت اختيارية وغير اختيارية، والأولى فضيلة لهم، لأنهم هم الذين يتركون داعية الذنوب فضلا عن نفسها بالاختيار، وكفى به فضلا، والثانية ليست بنفسها فضيلة لعدم مدخلية اختيارهم فيها، ولكن اختصاص هذه الموهبة بهم يكشف عن لياقتهم لا يهاب هذا اللطف العظيم في علم الله الحكيم وهي فضيلة غاية الفضيلة، لأن لياقتهم حاصلة بحسن انقيادهم في علمه تعالى ومن المعلوم أن حسن الانقياد فعل اختياري لهم، فالعصمة فضيلة اختيارية باعتبارها أو باعتبار مكشوفها من حسن الانقياد.
ثم إن ترك داعية الذنوب فضلا عن نفسها بالاختيار، إما ناش عن ايمانهم بالله واليوم الآخر وقوة ارادتهم مع علمهم بالحقائق وتأثير المعاصي في الدنيا والآخرة علما بينا لا سترة فيه، أو حبهم بالله تعالى خالصا لا يخلطه شئ آخر.