لا يقال: إن الوجدان والفطرة يكفي لذلك، لأنا نقول: إن الادراك الفطري إجمالي يحتاج إلى التفصيل، بل مستور في صميم ذات الإنسان، بحيث يحتاج إلى الكشف والإثارة والتنبيه بوساطة الأنبياء والرسل، ولولا ذلك لما نال إلى كثير مما يحتاج إليه كما قال تبارك وتعالى: " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون " (1).
فلو أهمل الإنسان مع ماله من العقل والوجدان والتجربة، ولم يرسل الأنبياء لهم لكان لهم العذر والحجة على الله، لعدم تمكنهم من النيل إلى السعادة بدون وساطة الأنبياء، ولكن ارسال الرسل يقطع عذرهم ويكون الحجة لله عليهم، وإليه يشير قوله عز وجل: " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " (2).
فالغاية من بعثهم وإرسالهم هو إرشاد الناس نحو مصالحهم ومفاسدهم، ليتمكنوا من اتخاذ السعادة التي خلقوا لأجلها، ولئلا يكون للعصاة والكفار حجة على الله، وغاية إرشاد الناس إلى مصالحهم ومفاسدهم ملازمة مع غاية اتمام الحجة، ولا تنفك عنها، ولعله لذا اكتفى المصنف بذكر الملزوم ولم يشر إلى اللازم، كما أن بعض المحققين، اكتفى بذكر اللازم ولم يذكر الملزوم، وكيف كان فكلاهما من الغايات كما لا يخفى.
ومنها: التنزيه والتزكية، ومن المعلوم أن الغرض من إرسال الرسل ليس منحصرا في مجرد التعليم، بل التزكية من الأغراض، ولإنجاز ذلك اختار الله تعالى النبوة والرسالة من بين الناس عباده الصالحين وأولياءه الكاملين، بحيث يكونون أسوة كاملة بين أبناء البشر، ويسوقون الناس نحو السعادة والكمال