بأعمالهم، وغير خفي أن هذا الغرض لا يحصل بمجرد نزول ما يحتاج إليه من السماء بصورة كتاب سماوي فقط، أو بنزول ذلك على عباده المتوسطين، أو بنزول ذلك على غير جنسهم كالملائكة، لأن الناس في هذه الصورة إما أن لا يجدوا الأسوة، وإما أن يزعموا أن الطهارة والتزكية من خصائص الجنس الآخر ولا يمكن للإنسان أن ينال إلى ذلك.
ولمثل هذا جعل المرسلون من جنس الإنسان، كما قال عز وجل: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " (1) وجعلهم مصطفين من الأخيار كما نص عليه في الكتاب العزيز: " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار " (2).
ومنها: تعليم الحكمة والمعرفة، ولا يذهب عليك، أن ظاهر المصنف أن تعليم الحكمة غير الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم، كما أن ظاهر قوله تعالى : " ويعلمهم الكتاب والحكمة " هو المغايرة بين تعليم الكتاب وتعليم الحكمة، فلعل مراد المصنف من الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم، هو بيان الأحكام والمقررات والتعبديات والتشريعيات المتعلقة بالأعمال والمعاملات، والمراد من الحكمة المعارف الحقة المطابقة للواقع، التي توجب بصيرة في الأمور والدين وازديادا في معرفة الله تعالى وما يؤدي إليها كمعرفة الإمام، كما هو المستفاد من الآيات والأخبار كقوله عز وجل: " ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد " (3).