نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج ١ - الصفحة ٤٠٦
يحبها وهم بنكاحها، وكذلك طلحة كان يحب حفصة بنت عمر، وكان قاصدا نكاحها.
ولما بلغهما الخبر بنكاح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمرأتين، امتلئا غيظا وغضبا، وجعلا يؤذيانه بمقالات خشنة، ويقولان: أينكح محمد نساءنا إذا متنا، ولا ننكح نساءه إذا مات؟ والله لو قد مات لتداخلنا على نسائه بالسهام [٣٠].
فنزل قوله تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) [٣١] إلى قوله سبحانه: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) [٣٢].
ومنها: أنه أتم الصلاة بمنى وهو مسافر [٣٣] وقدم الخطبتين على الصلاة في العيدين [٣٤] وأبدع الأذان لصلاة العصر في نهار الجمعة [٣٥]. وقد خالف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والشيخين في كل ذلك.
ومنها: أنه أسقط حد القصاص عن ابن الخليفة الثاني بعد أن حكم عليه أبوه بذلك في آخر رمق الحياة، بسبب قتله هرمزان - أحد ملوك الفرس بعد أن أسلم - وكان ذلك منه لغضاضة كانت بينهما في الجاهلية، فاتهمه ابن الخليفة بالاشتراك مع من طعن أباه، فقتله من غير شهود ولا ثبوت، ولما علم بذلك أبوه - وهو في فراش الموت - حكم عليه بالقصاص، وبعد وفاة عمر هم علي (عليه السلام)بقتلهقصاصا، فهرب إلى معاوية في الشام، وأسقط عثمان عنه الحد، وأعطاه الأمان [٣٦].
إلى غير ذلك من منكراته، وفظائع أعماله التي أوجبت تهاجم جموع المسلمين عليه من أقطار الأرض، حتى قتلوه بأشنع قتلة.
وفي كل تلك الوقعة وتلك المهاجمات كان علي (عليه السلام) جليس بيته، محائدا عنهم، لم يتعرض لهم بنفي ولا إثبات.
وترى الجمهور لم يجعلوا إجماع الأمة المتشتتة واجتماعهم بأجمعهم على قتل الرجل - مع انضمام وجوه الصحابة إليهم من غير كره ولا إجبار - دليلا ولا حجة لاستحقاقه للقتل، ولا برهانا لبطلان خلافته. وقد جعلوا إجماعهم المزعوم على خلافة الأول حجة لازم الاتباع، وبرهانا قويا على استحقاقه ذلك وأهليته له، وقد عرفت عدم انعقاد الإجماع أولا، ثم تألفه ثانيا - على تقدير تسليمه - من الجبر للبعض والتطميع للآخرين والتهديد لفرقة ثالثة، على ما أشرنا إليه.
ثم تراهم أيضا لم يجعلوا سكوت علي (عليه السلام) عن قتله ولا قعوده عن نصرته كاشفا عن رضاه بذلك، ولا شاهدا على حبه لقتله، وهو (عليه السلام) من عرف الكل قدرته وشجاعته وشدة بأسه وغاية صولته، ولا سيما في مثل ذلك اليوم، باعتبار إطاعة وجوه المهاجمين لأمره ونهيه وانقيادهم لإرادته. وقد جعلوا سكوته عن انتصاب الشيخين للإمارة والخلافة المزعومة دليلا على رضاه بذلك، مع ما كان عليه يومئذ من قلة الأنصار، واحتراق القلب لفقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانقصام الظهر وشدة الحزن بوفاته، والاشتغال بتجهيزه وإقامة العزاء عليه وإنجاز وصاياه، ثم اشتغاله بجمع القرآن على ما أنزل،: والتهائه بتسلية المصابين من أهل بيته (عليهم السلام) وغير ذلك مما يشغله أدناها عن التعرض للشيخين وأتباعهما؛ فيا للعجب كل العجب! من اختلاف حكم القوم في الوقعتين.
راجع لتصديق كل ما ذكرنا في المقام كتب القوم وأهل نحلتهم، فضلا عن كتب الفرقة المحقة الإمامية (قدس سرهم) وسائر المؤرخين.
[١] الحجرات: ٦..
[٢] السجدة: ١٨.
[٣] تفسير الطبري ٢٦: ١٦١.
[٤] انظر الإصابة ٣: ٦٣٧ / ٦٣٨، الاستيعاب (المطبوع بهامش الإصابة) ٣: ٦٣١ - ٦٣٧.
[٥] انظر الاستيعاب (المطبوع بهامش الإصابة) ٣: ٦٣، أسد الغابة ٥: ٤٢١ / ٥٤٧٥.
[٦] انظر الاستيعاب (المطبوع بهامش الإصابة) ٢: ٨ - ١١.
[٧] مروج الذهب ٢: ٣٣٤ - ٣٣٧، أسد الغابة ٣: ٢٦٠ / ٢٩٧٦، الملل والنحل (للشهرستاني) ١: ٢٠.
[٨] أسد الغابة ٣: ٢٦١ / ٢٩٧٦، البداية والنهاية ٤: ٢٤٠، أنساب الأشراف (للبلاذري) ٦:
١٣٤، النجوم الزاهرة ١: ١٠١، والإصابة ٢: ٣١٧.
[٩] أنساب الأشراف (للبلاذري) ٦: ١٣٥ و ١٣٧، مرآة الجنان ١: ٨٥، بحار الأنوار ٣١: ١٦٩، الغدير ٨: ٢٥٧.
[١٠] الملل والنحل (للشهرستاني) ١: ٢٠، العقد الفريد ٥: ٣٦، أنساب الأشراف (للبلاذري) ٦:
١٦٦، ذكروا ما أعطاه عثمان لمروان بن الحكم وبعض آخر.
[١١] العقد الفريد ٥: ٣٥، أنساب الأشراف (للبلاذري) ٦: ١٣٦.
[١٢] لم نعثر عليه بهذا النص ولكن انظر المعارف (لابن قتيبة): ١٩٥.
[١٣] إحقاق الحق (الحجري): ٢٥٢.
[١٤] بحار الأنوار ٣١: ١٩٠، وانظر الشافي (للسيد المرتضى) ٤: ٢٧٩ - ٢٨٣، وشرح المقاصد (للتفتازاني) ٥: ٢٨٥.
[١٥] أنساب الأشراف ٦: ١٤٨، تاريخ اليعقوبي ٢: ١٧١.
[١٦] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) ٣: ٥٢، السيرة الحلبية ٢: ٧٢، الجمل (مصنفات الشيخ المفيد) ١: ١٠٥، وفي الأخيرين باختلاف يسير.
[١٧] بحار الأنوار ٣١: ١٩٦، مسند أحمد ٤، ٨٩، المستدرك (للحاكم) ٣: ٣٩١.
[١٨] جامع الأصول ١٠: ٢٩ / ٦٥٧١، تاريخ مدينة دمشق ٤٣: ٤٠٢.
[١٩] أنساب الأشراف (للبلاذري) ٦: ١٦١، بحار الأنوار ٣١: ١٩٣.
[٢٠] أنساب الأشراف (للبلاذري) ٦: ١٦١ و ١٦٢، الشافي (للسيد المرتضى) ٤: ٢٨٩ - ٢٩١.
[٢١] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) ٣: ٥٠، الشافي (للسيد المرتضى) ٤: ٢٩١، بحار الأنوار ٣١: ١٩٥، شرح المقاصد (للتفتازاني) ٥: ٢٨٥، أنساب الأشراف (للبلاذري) ٦: ١٦٣.
[٢٢] تاريخ ابن أعثم (الفتوح) ١: ٤١٩، وانظر النهاية (ابن الأثير) ٥: ٨٠، أنساب الأشراف (للبلاذري) ٦: ١٦٢، لسان العرب ١١: ٦٧٠.
[٢٣] انظر القاموس المحيط ٤: ٦٠ (نعثل).
[٢٤] انظر تفصيل الكلام فيه في شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) ٣: ٥٢، بحارالأنوار ٣١: ١٧٤.
[٢٥] سنن الترمذي ٥: ٣٣٤ / ٣٨٨٩، سنن ابن ماجة ١: ٥٥ / ١٥٦، المستدرك (للحاكم) ٣:
٣٤٢، حلية الأولياء ٤: ١٧٢، الاستيعاب (بهامش الإصابة) ٤: ٦٤، الإصابة ٤: ٦٤، جامع الأصول ١٠: ٣٤ / ٦٥٨٢.
[٢٦] الشافي (السيد المرتضى) ٤: ٢٩٣ - ٢٩٧، شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) ٣: ٥٤ - ٥٧، بحارالأنوار ٣١: ١٧٥.
[٢٧] بالفاء المفتوحة، والنون الساكنة، والدال المهملة، وهاء: قرية من قرى صور من سواحل بحر الشام. معجم البلدان ٣: ٤٠٢ (صرفندة).
[٢٨] قال ابن الأثير في النهاية ٥: ٢٠٦: على جبل وعر، أي: غليظ حزن يصعب الصعود إليها.
[٢٩] الشافي (السيد المرتضى) ٤: ٢٩٤ - ٢٩٩، بحار الأنوار ٣١: ١٩٠ - ١٩١.
[٣٠] تفسير ابن أبي حاتم ١٠: ٣١٥٠ / ١٧٧٦٥، وفيه عن طلحة، الدر المنثور ٥: ٢١٤، الطرائف (لابن طاووس) ٢: ١٩، نهج الحق وكشف الصدق: ٣٠٤ - ٣٠٥، كلهم عن السدي في تفسير الآية: ٥٣ من سورة الأحزاب.
[٣١ و ٣٢] الأحزاب: ٥٣ و ٥٧.
[٣٣] انظر صحيح البخاري ٢: ٥٣ باب الصلاة بمنى، صحيح مسلم ١: ٤٨٢ / ٦٩٤، سنن أبي داود ٢: ١٩٩ / ١٩٦٠، سنن النسائي ٣: ١٢٠ - ١٢١، سنن الدارمي ٢: ٥٥، سنن البيهقي ٣: ١٤٣، جامع الأصول ٦: ٤٤٨ / ٤٠٢٠ و ح ٤٠٢١ و ح ٤٠٢٣.
[٣٤] فتح الباري ٢: ٣٦١، نيل الأوطار ٣: ٣٦٢ و ٣٧٤، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١٦٥.
[٣٥] صحيح البخاري ٢: ١٠ باب الأذان يوم الجمعة، سنن الترمذي ٢: ١٤ / ٥١٥، الكامل (ابن الأثير) ٣: ١١٦، تاريخ الطبري ٣: ٣٣٨، جامع الأصول 6: 431 / 3964.
[36] الكامل (ابن الأثير) 3: 75 - 76، الاستيعاب (بهامش الإصابة) 2: 431 - 433، سنن البيهقي 8: 81، شرح المقاصد (للتفتازاني) 5: 285.