نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج ١ - الصفحة ٣٥٣
وغار ماؤها فلم يلبثوا حتى هلكوا عن آخرهم عطشا إلا رجل واحد منهم لم يزل يتوسل بالنبي ويكتب اسمه على بعض جوارحه. وإن كان قوم من بني إسرائيل هلكوا بالدم من أضراسهم فكان طعامهم وشرابهم يختلط بالدم ولبثوا كذلك أربعين صباحا معذبين حتى هلكوا بأجمعهم، فقد أهلك الله بمثله أربعين من المنافقين وسلط عليهم الرعاف وسيلان الدم من أضراسهم فكان طعامهم وشرابهم يختلط بالدم ولبثوا كذلك أربعين صباحا معذبين وهلكوا بأجمعهم وذلك باستهزائهم بأبي سعيد الخدري حينما شرب الدم الخارج من حجامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعاتبه النبي على ذلك ثم بشره بأن الله حرم لحمه ودمه على النار وأخبره أن الله يهلك أولئك المستهزئين به بالدم. وقد أخبر الله تعالى من آيات الكليم (عليه السلام) بقوله سبحانه: (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات).
وكذا ما وقع في قوم فرعون من الطمس لأموالهم وما وقع لقوم يوسف الصديق (عليه السلام) من القحط والجوع. فقد وقع مثله وأعظم منه في مضر وهم قبيلة من العرب فإن النبي دعا عليهم بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فابتلاهم الله بالقحط والجوع، فكان الطعام يجلب إليهم من كل ناحية فإذا اشتروه لم يصلوا إلى بيوتهم حتى يفسد وينتن ويتسوس وأضر بهم الجوع وجعلوا ينبشون القبور ويأكلون الموتى والكلاب ويذبحون أولادهم ويأكلون لحومهم إلى أن اجتمع رؤساؤهم عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتابوا من أذاياهم له، دعا لهم فعاد إليهم الخصب والسعة وذلك قوله تعالى فيهم: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
وإن تفاصيل تلك المجملات مذكورة في الكتب المطولة كمجلدات البحار وكتب التفاسير والأحاديث ولا يسمح المقام شرحها ولا ذكر سائر معاجزه (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) على المشهور عندنا في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول عند طلوع الفجر في مكة المكرمة في الدار المعروفة بدار محمد بن يوسف في السابع عشر من ديماه الفرس والعشرين من نيسان الرومي في عهد كسرى أنوشروان ملك الفرس العادل في الرعية في سنة ٤٢ من سلطنته في عام الفيل أو بعده بثلاثين سنة أو أكثر، وقد أحاطت أربعة من الحور النازلة من السماء بأمه آمنة حين ولادته، ولما ولد سجد بجبهته على الأرض ورفع سبابتيه نحو السماء وهو يقول: لا إله إلا الله، وسمعت أمه عندئذ مناديا ينادي:
صلى الإله وكل عبد صالح * والطيبون على السراج الواضح المصطفى خير الأنام محمد * الطاهر العلم الضياء اللائح زين الأنام المصطفى علم الهدى * الصادق البر التقي الناصح إلى آخره.
وفي صبيحة ولادته (صلى الله عليه وآله وسلم) انكبت أصنام المشركين في أقطار الأرض على وجوهها واهتز إيوان كسرى وسقطت منها أربعة عشر شرفة، وغاضت بحيرة ساوة وفاض وادي السماوة وخمدت نيران الفرس وكانت مشتعلة ألف سنة لم تخمد ولم يبق في ليلة ميلاده ملك من ملوك الأرض إلا أصبح مخرسا وأصبح سريره منكوسا وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة. وقد كتب علماء الفريقين في معاجزه المتواترة كتبا كثيرة بطرق عديدة يضيق المقام عن ذكر شطر منها فضلا عن استقصائها.
فمنها: معجزاته في إطاعة الجمادات والنباتات الأرضية له.
ومنها: معاجزه في الآفاق السماوية من انشقاق القمر ورجوع الشمس بعد غيابها وتظليل الغيم له ونزول الموائد عليه من السماء.
ومنها: تكلم الأشجار والبهائم الصامتة والأطفال الرضع معه وشهادة الكل له بالرسالة ولصهره وابن عمه (عليه السلام) بالخلافة والإمامة.
ومنها: معجزاته في استجابة دعائه لشفاء المرضى وإحياء الموتى وإفاقة المجانين.
ومنها: ما ظهر منه (صلى الله عليه وآله وسلم) من تكثير الطعام القليل وإشباع الجموع الكثيرة منه وسقيهم ريا من الماء القليل.
ومنها: سرعة إجابة دعائه على المشركين في غزوة بدر، وقد أنشد فيه حسان بن ثابت في قصيدة له بقوله:
وإن كان لوط دعا ربه * على القوم فاستؤصلوا بالبلا فإن النبي ببدر دعا * على المشركين بسيف الفنا فناداه جبريل من فوقه * بلبيك لبيك سل ما تشأ ومنها: عروجه إلى الملأ الأعلى ليلة المعراج حتى دنا من ربه إلى قاب قوسين أو أدنى وقال فيه أيضا حسان:
لئن كلم الله موسى على * شريف من الطور يوم الندا فإن النبي أبا قاسم * حبي بالرسالة فوق السماء وقد سار بالقرب من ربه * على قاب قوسين لما دنا وإن فجر الماء موسى لكم * عيونا من الصخر ضرب العصا فمن كف أحمد قد فجرت * عيون من الماء يوم الظما وإن كان هارون من بعده * حبي بالوزارة يوم الملا فإن الوزارة قد نالها * علي بلا شك يوم الغدا وإن كان نوح نجا سالما * على الفلك بالقوم لما نجى فإن النبي نجا سالما * إلى الغار في الليل لما دجا وإن كان داود قد أوبت * جبال لديه وطير الهوا ففي كف أحمد قد سبحت * بتقديس ربي صغار الحصا وإن كانت الجن قد ساسها * سليمان والريح تجري رخا فشهر غدو به دائبا * وشهر رواح به إن يشا فإن النبي سرى ليلة * من المسجدين إلى المرتقى وإن كان يحيى بكت عينه * صغيرا وطهره في الصبا فإن النبي بكى قائما * حزينا على الرجل خوف الرجا فنودي طه أبا قاسم * فلا تشق بالوحي لما أتى وإن كان من مات يحيى لكم * يناديه عيسى برب العلا فإن الذراع لقد سمها * يهود لأحمد يوم القرى فنادته إني لمسمومة * فلا تقربني وقيت الأذى