وأما المقام الثاني: وهو اختصاص شاهد منه بمولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ذريته سلام الله عليهم أجمعين، فتوضيح الأمر فيه إلى إبطال سائر التفاسير التي ذكرها المفسرون فيه بالرأي.
فأقول:
أما تفسيره بجبرائيل الأمين، أو الملك الحافظ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فباطل من وجوه:
الأول: أن الله تبارك وتعالى في مقام إثبات رسالة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والاحتجاج على المنكرين بأنه لا ينبغي التردد فيها من شاعر متعقل، مع استجماع هذه الأمور الثلاثة التي كل منها دليل قاطع، وبرهان مستقل على إثبات دعواه.
ومن المعلوم: أن الدليل لا بد أن يكون ظاهرا منكشفا حتى ينكشف به المدعى الذي هو مجهول، وشهادة أمين الوحي، أو الملك الحافظ من الأمور المجهولة التي يحتاج إثباتها إلى دليل، فكيف تجعل دليلا عديلا لبينة من ربه، وثبوته بخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يصلح لجعله دليلا على نبوته صلى الله عليه وآله وسلم كما هو ظاهر، كما أن ثبوته بالقرآن لا يصلح لجعله دليلا مستقلا في قبال بينة من ربه.
الثاني: أن الظاهر من الكلام أن الضمير المنصوب والمجرور يرجع إلى الموصول وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يصدق على الملك أنه شاهد منه صلى الله عليه وآله وسلم لعدم كونه من البشر.
الثالث: أن الفعل إن أخذ من التلاوة ورجع الضمير المنصوب إلى بينة، والمجرور إلى الرب لزم خلو المعطوف عن العائد.
والقول برجوع الضمير المجرور إلى الموصول حينئذ لا يستقيم من جهة عدم صدق شاهد منه على الملك، وإن أخذ من التلو فهو باطل من وجهين: