اختيار الناس بالضرورة، وباتفاق جميع المسلمين.
وإذا كانت المرتبة النازلة عهدا إلهيا لا يتطرق فيه اختيار الناس، فكيف يجوز أن تكون المرتبة الفائقة عليها مما يتطرق فيه اختيار الناس، عقدا وحلا؟
وأما الثالث: فيظهر من الأمر الثاني، إذ يعتبر في المرتبة الفائقة ما يعتبر في المرتبة النازلة، مع أمر زائد، والعصمة معتبرة في النبوة، فكذا في الإمامة بطريق أولى، ومن مسه الظلم لا يكون معصوما فلا يكون إماما.
فالمراد من الظالمين في الآية الكريمة من جاز عليه الظلم، وتطرق فيه، أو من وجد فيه الظلم ولو انقضى عنه.
فإن قلت: المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدأ، وإطلاقه على من تطرق فيه التلبس بالمبدأ، أو انقضى عنه المبدأ مجاز، لا يصار إليه إلا بدليل.
قلت: إنما لا يصدق المشتق حقيقة على ما انقضى عنه المبدأ، إذا كان المبدأ من قبيل الصفات كالعالم والجاهل والقائم والقاعد، وأما إذا كان المبدأ من قبيل الأفعال التي يكون العنوان المأخوذ منها منتزعا من حدوث المبدأ من الذات، كالضارب والقاتل والوالد والولد، فصدق المشتق فيها دائر مدار حدوث المبدأ، ولا يعتبر فيه بقاؤه، أترى أن الأب والد مجازا، والابن ولد كذلك، وقاتل عمرو وضارب بكر لا يصدق عليه العنوانان حقيقة؟ كلا ثم كلا! والظالم من قبيل الثاني، لأن الظلم فعل لا صفة، فلو أريد من وجد فيه الظلم فهو صادق عليه حقيقة، ولا يكون مخالفا للظاهر حتى لا يصار إليه إلي بدليل.
نعم إذا أريد منه من جاز عليه الظلم فهو مخالف للظاهر، ولكن الدليل على المصير إليه موجود، وهو منافاة عدم العصمة وتطرق الظلم لنيل الإمامة التي هي عهد إلهي فوق مرتبة النبوة.