ولو ادعوا أن الإمامة إنما تكون باجتماع الأمة بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لم ينصب أبو بكر عمر، ولم يقل في حال احتضاره: ليتني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن هذا الأمر من بعده، فلا ينازعه فيه أحد، وليتني كنت سألته هل للأنصار فيها من حق، فالأصل وهو الخليفة الأول كلامه صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت عن أمر الخلافة، وأهمله، وتمنى أن يكون سائلا عنه حتى لا ينازع فيه.
وثانيا: إن الإمامة أجل قدرا، وأعظم شأنا، وأمنع جانبا، وأعلى مكانا، من أن يصير الناس مرجعا في تعيينها، لمن شاءوا واختاروه، كما نبه عليه مولانا الرضا عليه السلام، ضرورة أن المرجع لا بد أن يكون عارفا بحدود ما رجع إليه، ويقبح من الحكيم تعالى شأنه أن يرجع الأمر في الإمامة التي هي تلو الرسالة، بل أكمل منها إلى اختيار الناس، الغير المطلعين على سرائر العباد وضمائرهم، الجاهلين بحدودها، وعلو مكانها، وسمو شأنها، فهل هذا إلا إهمال؟ كيف وقد قال الله عز وجل: " الله أعلم حيث يجعل رسالته، (1) فهو تعالى نبه العباد على أن السبيل منحصر في جعله تعالى.
فتبين بما بيناه أن ما ذهب إليه العامة وبنوا أصل مذهبهم عليه لا يلائم مع إكمال الدين المصرح به في الآية الكريمة.
واعلم أن الآية الكريمة تدل على نصب جميع خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة من بعده صلى الله عليه وآله وسلم، لا على نصب خليفة واحد منهم بعينه، وإلا لزم الاهمال بالنسبة إلى من لم ينص على نصبه، وهو مناقض لإكمال الدين، وإتمام النعمة، وهو صلى الله عليه وآله وسلم كما صرح بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه يوم الغدير،