والرابع: إن ثبوت الولاية من قبل التولية فرع ثبوت الولاية للمولى وإلا لم ينفذ توليته، فوجوب إطاعة الولي حينئذ إنما هو بالنسبة إلى غير المولى، ولا يعقل ثبوت الولاية على نفس المولى بتوليته، حتى يجب عليه إطاعة الولي من قبله عليه، بل يجب على الولي أن لا يخالف من حدود ما ولاه عليه، فهو تحت طاعة من ولاه الأمر، لا أن من ولاه الأمر تحت طاعته.
والخامس: إن الولاية على قسمين: مطلقة ومحدودة.
والولاية التامة المطلقة إنما تكون لله تعالى شأنه، لأن منشأ انتزاع علقة المولوية والعبودية بينه تعالى شأنه وبين عباده هو خلقه تعالى، وتربيته إياهم، ومن المعلوم أن المخلوق والمربوب يرجع بكله إليه عز وجل، فلا يعقل حينئذ حصر وتحديد في الولاية، وإلا لزم أن يستقل الممكن في بعض جهاته، وهو مناقض لإمكانه، ولا تثبت الولاية المطلقة لأحد من المخلوقين إلا بالاستخلاف عنه تعالى شأنه، فثبوت هذا النحو من الولاية لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال عز من قائل: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ (1) كاشف عن ثبوت الخلافة الكبرى له صلى الله عليه وآله وسلم عنه تعالى شأنه.
وأما الولاية المحدودة فيجوز ثبوتها من قبل الاستخلاف عنه تعالى شأنه، كولاية القيم من قبل الحاكم الشرعي في أمر الصغير، أو من قبل أسباب أخر، كولاية الأب على ابنه الصغير، والمستأجر على أجيره، والزوج على زوجته، المنتزعة من علقة الأبوة والبنوة، والزوجية، وعقد الإجارة.
والولاية في جميع الصور مجعولة بجعل الشارع ابتداء وتبعا لتقرير موضوعها، ولكن يختلف منشأ انتزاعها باختلاف الموارد، فقد يكون منشأ