المسلمون، لا مطلق الغنيمة، فانتساب الغنم إليهم مقوم لموضوع الخمس، كغنائم دار الحرب التي حازتها عسكر الإسلام وأخذوها بالغلبة والمقاتلة، وأرباح المكاسب التي اكتسبوها وسائر ما غنموه بالغوص، أو الاستنباط من المعدن وما وجدوه من كنز ونحوه، فهو مغاير مع الفئ، إذ الفئ - وإن صدق عليه الغنيمة - إلا أنه ليس مما غنمه المسلمون، وانتسب إليهم، إذ الفئ ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فلم يدخل تحت حيازتهم حتى ينتسب إليهم، فهو بجميعه راجع ابتداء إليه تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذي القربى، بخلاف ما غنموه ودخل تحت سلطنتهم بالحيازة أو الاكتساب بوجه آخر، فإن الراجع منه إليه تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذي القربى إنما هو خمسه.
وبما بيناه تبين أن ما ذهب إليه بعض العامة من أن الأنفال والفئ منسوخة بآية الخمس من الأغلاط، لأن النسخ إنما يتحقق مع اتحاد الموضوع، وقد تبين لك أن موضوع الخمس مباين مع الفئ والأنفال.
وأما الرابع: وهو كون الصدقة وسخا دون الفئ والخمس، فالسر فيه أن المال يعرضه الوسخ عند الشارع، ولو باعتبار صاحبه، ولذا أمر بتطهيره وتزكيته بتصدق مقدار معين منه، فهذا المقدار المعين الذي أمر بإخراجه عن ماله كان وسخا عند الشارع، حيث جعل إخراجه عن المال والتصدق به سببا لتطهير الباقي، ولذا نزه نفسه ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم وذي القربى عنها، وجعل لها مصارف مخصوصة، فقال عز من قائل: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " إلى آخر الآية. (1) وأما الفئ والخمس فهما مما اصطفاه الله تعالى لنفسه، وجعلهما من