بل أقول: إن إضافة المصدر لفظا أو معنى إلى كل صالح كل جزء منه أن يكون متعلقا له ظاهرة في الاستيعاب والعموم، إلا إذا كان الاستيعاب والعموم خارجا عن العادة، ولذا يكون ملك العبد، وعتقه، وتحريره، وشراء الدار وبيعها، ونحوها منصرفة إلى العموم، ظاهرة فيه، دون نحو ضرب زيد، ورؤية عمرو، لعدم جريان العادة بتعلق الضرب والرؤية بكل من أجزائهما.
وأما السادس: أعني السورة فهي مكية، كما رواه النيشابوري، عن سعيد بن جبير، وكذا رواه البغوي في " معالم التنزيل ".
إذا اتضحت لك هذه المقدمات اتضح لك غاية الاتضاح عدم صدق (من عنده علم الكتاب) على عبد الله بن سلام ونظرائه من وجوه عديدة:
الأول: الاكتفاء بشهادة (من عنده علم الكتاب) في إثبات النبوة التي هي أساس الدين، وجعلها في عرض شهادته تعالى متوقف على إفادتها العلم واليقين، وهي متوقفة على ثبوت عصمته وطهارته، وهو متوقف على إرادة العلم بظاهر الكتاب وباطنه، ولو ببعضه الملازم للطهارة والعصمة.
ومن المعلوم أن ابن سلام ونظرائه من علماء اليهود لم ينالوا مقام العصمة، وإلا لم يبقوا على شريعة موسى عليه السلام المنسوخة بشريعة عيسى عليه السلام.
فإن بقاءهم على شريعة موسى، إما من معاندتهم مع الحق، وإما من جهلهم به، وكل منهما مناف لمقام العصمة، وإذا ثبت أنه غير معصوم فإسلامه لا يلازم الحق، إذ كما يحتمل أن يكون الداعي على إسلامه علمه بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من كتاب التوراة - كما هو الظاهر - يحتمل أن يكون الداعي عليه الخوف أو الطمع، فلا يجوز الاحتجاج بإسلامه وشهادته على أحقية نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.