لا يقال: يمكن أن يقال: الآية الكريمة نزلت لتسلي نبيه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله تعالى يعلم بأنك رسوله فلا يضرك تكذيب الكفرة، ولا تكون في مقام الاحتجاج عليهم حتى يستلزم اقتران شهادته برسالته بإظهار المعجزات على يده الكاشف عنها.
لأنا نقول: لو كانت الآية هكذا: (كفى بالله شهيدا ومن عنده علم الكتاب) من دون ذكر (قل) في صدرها وضم (بيني وبينكم) لاحتملت ذلك، وأما مع ذكر (قل) في صدرها وضم (بيني وبينكم) فهي صريحة في أنها في مقام الاحتجاج وجواب ورد على الكفرة المنكرين لرسالته المكذبين له صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما الرابع: فكشف الحجاب عنه يتوقف على بيان معنى علم الكتاب.
فأقول: ليس المراد من علم الكتاب، العلم بظاهره فقط، إذ العلم به كذلك يجامع مع عدم العصمة، ومتابعة الهوى كما هو ظاهر، ومن هذا شأنه لا تكون شهادته مفيدة للعلم واليقين، ولا تكون مقبولة عند العقل، فكيف يستحق أن يجعل شهادته عديلا لشهادته تعالى، وبرهانا مستقلا مثبتا لنبوته صلى الله عليه وآله وسلم.
فالمراد منه العلم بظاهر الكتاب وباطنه، تأويله، وتنزيله، وخوافيه، وأسراره المودعة فيه، الذي هو موهبة إلهية غير كسبية، لا يليق به إلا من كان معصوما مطهرا من الخطأ والزلل عمدا وسهوا، فتكون شهادته حينئذ مفيدة للعلم، ومقبولة عند العقل، ولائقة لأن تجعل عديلا لشهادته تعالى.
ثم إن طريق استكثار العلم بالباطن لا ينحصر في إخبار النبي بأنه عالم به، وإلا لزم أن لا تكون شهادته مثبتة لنبوته صلى الله عليه وآله وسلم إذ التصديق بعلمه بالباطن،