فالتفسير التام إنما هو ما في الروايات أي هاد لأهل السماء، وهاد لأهل الأرض، وحيث إن هدايته تعالى لأهل الأرض لا تكون بلا واسطة، فلا بد من هاد بينه تعالى شأنه وبينهم.
فقال عز من قائل: " مثل نوره " أي الهادي الذي اختاره الله تعالى هاديا لهم، ويمكن أن يكون التفصيل بين السماء والأرض بالتعبير في الأول بصيغة الجمع، وفي الثاني بصيغة الإفراد تنبيها على هذا المعنى " وهو ثبوت الواسطة في الهداية بينه تعالى شأنه، وبين أهل الأرض، وعدم ثبوتها بالنسبة إلى أهل السماوات، حيث إن هداية أهل الأرض بواسطة خلفائه، وهداية أهل السماوات بالإلهام، أو ما بمنزلته.
وكيف كان فالنور المضاف إليه تعالى في قوله عز وجل: " مثل نوره " غير النور المحمول عليه أولا إذ لا يجوز إضافة المحمول إلى موضوعه، فالمراد منه الهادي المنتسب إليه تعالى شأنه، الذي جعله واسطة بينه وبين خلقه، وسببا لهدايتهم، فالمثل إنما هو له، لا لله تعالى.
والتشبيه إنما هو لمثل خليفته في خلقه، أي العنوان المناسب اللائق له، والغرض من التشبيه توضيح مقام خليفته، وبيان عدم انقطاع حبل الخلافة بما يناسبه عالم الحس والظاهر، حتى يتوسل الخلق إلى إدراك مقامه بواسطة تطبيق المعقول على المحسوس.
إذا عرفت ذلك فقد تبين لك أن تفسير " مثل نوره " بالإيمان في قلوب المؤمنين، وبطاعتهم لله تعالى في غير محله، لأن الإيمان والطاعة نتيجة الهداية، لا سببها، مع أن التشبيه بمشكاة فيها مصباح - إلى آخر الآية - لا يلائمه أصلا، ضرورة أن المشبه به سبب الهداية ووسيلة إلى رفع الظلمة، فالذي يشبه به إنما هو ما يكون سببا للهداية، لا ما هو نتيجة له.