قطعا على كل حال كيف ما كان فإن كان سالما من المعاصي كطفل أو مجنون اتصل جنونه بالبلوغ وتائب توبة نصوحا وموفق ما ألم بمعصية قط فإنهم يدخلون الجنة ولا يدخلون النار لكنهم يردونها على الخلاف في الورود وأما من عمل كبيرة ومات بغير توبة فهو في المشيئة إن شاء جعله كالقسم الأول وإن شاء عذبه ثم يدخله النار ولا يخلد في النار أحد مات موحدا ولو عمل جميع المعاصي كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات كافرا وإن عمل أعمال البر ما عمل هذا مذهب أهل الحق انتهى وقدمنا نحوه وذهبت المعتزلة إلى أن من دخل النار كان خالدا فيها لأنه إما كافرا وصاحب كبيرة مات بلا توبة فالكافر مخلد بالإجماع وكذا صاحب الكبيرة بلا توبة لوجهين أحدهما أنه يستحق العذاب الذي هو مضرة خالصة دائمة فينافي استحقاق الثواب الذي هو منفعة خالصة دائمة والجواب عنه منع قيد الدوام وإلحاقه بالكافرين بل منع الاستحقاق بالمعنى الذي قصدوه وهو الاستيجاب وإنما الثواب فضل منه والعذاب عدل فإن شاء عفا وإن شاء عذبه مدة ثم يدخله الجنة الوجه الثاني لهم النصوص الدالة على الخلود كقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وقوله تعالى ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وقوله تعالى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والجواب إن قاتل المؤمن لكونه مؤمنا لا يكون إلا كافرا فيستحق الخلود وكذا من تعدى جميع حدود الله الشاملة للكفر وكذا من أحاطت به الخطيئة وشملت من كل جانب لأن هذا لا يتأتى في حق المؤمن لما قدمنا ولو سلم فالخلود قد يستعلم في المكث الطويل كقولهم سجن مخلد ولو سلم فمعارض بالنصوص الدالة على عدم الخلود ذكره السعد رحمه الله في شرح العقائد وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق الحديث فائدة اختلفت الماتريدية والأشاعرة في معنى السعادة والشقاوة قالت الماتريدية السعادة الإسلام والشقاوة الكفر والسعيد هو المسلم والشقي هو الكافر وعلى هذا فيتصور أن السعيد قد يشقى بأن يرتد بعد الإيمان وأن الشقي قد يسعد بأن يؤمن بعد الكفر وأن السعادة والشقاوة قد يتغيران ويتبدلان وما ختم له به من إيمان أو كفر هو الذي سبق له في العلم الأزلي الذي لا تبدل ولا تغير فيه
(١٣١)