ثم إن شيخنا الأستاذ عارض بين تلك المرسلة ورواية الدعائم والرضوي وبين عموم مفهوم ما هو مثل قوله (عليه السلام): " الماء إذا كان قدر كر لم ينجسه شيء " (1) وقال: " إن التقييد في إطلاقات الجاري إخراج للفرد النادر، لأن ما لا يبلغ مع ما في المادة بل بنفسه كرا قليل، بخلاف تقييد الماء بغير الجاري في أدلة إناطة الاعتصام بالكثرة فإنه إخراج للفرد المتعارف " وهذا أبعد من تقييد الجاري بما يبلغ الكر كما لا يخفى على المنصف.
ونحن كلما تأملنا وأنصفنا لم يتبين لنا قرينة تقييد تلك المناطق وأبعدية تقييد تلك المطلقات، إذ مناط رفع اليد عن الظواهر وإخراجها إلى غير ظاهرها - مجازا كان أو غيره من - خلاف ظاهر ما هو مأنوس في طريق المحاورة، ويساعده الأفهام المتعارفة من العرف بملاحظة خصوصية المقام. وليس كل فرد نادر الوجود بعيد الإرادة من الاطلاق أو سهل الاخراج منه، ولا كل فرد كثير الوجود قريب الإرادة منه أو صعب الإخراج منه، فربما يعكس الأمر للاستئناس عرفا ولو في محاورة خاصة أو كلام مخصوص. وهذا هو وجه تقديم العام والمطلق في بعض المقامات على الخاص والمقيد.
ومن المعلوم في خصوص المقام أن ظهور إطلاق المناطق المذكورة خصوصا الرضوي الوارد بلفظ العموم في الشمول لجميع أفراد الجاري لو لم يكن أوضح من شمول إطلاق أدلة إناطة الاعتصام بالكثرة للجاري لم يكن بأخفى منه، فلا يسع ترجيح ظهور تلك المطلقات على ظهور تلك المناطق من باب تقديم الأظهر على الظاهر الذي هو مناط الترجيح بحسب الدلالة بعد عدم النص لو لم يكن الأمر بالعكس - كما هو المحقق - لما هو لائح لكل من يتأمل في إطلاقات إناطة الاعتصام بالكثرة في ظهورها في نفسها في خصوص الراكد وعدم انصرافها إلى الجاري وعدم انفهامه منها أبدا، فكيف دعوى أظهرية شمولها له من شمول