فقوله - طاب ثراه -: " فالإنصاف حمل الرواية - بناء على اعتبار الكرية في ماء الحمام - على تنزيله بمنزلة الجاري في تجدد الماء النظيف منه تدريجا، فترتفع القذارة المتوهمة من ملاقاة بعضه للنجاسة... الخ " سيبين ما فيه.
والأولى تبديل قوله: " فترتفع " بقول: " فتدفع " أو ذكره معه. ومع ذلك فما ذكره غير ضائر شيئا، لاقتضاء التنزيل في كل مقام مغايرة الشيئين في نظر العرف والعقلاء، فعلم أن موضوع المشبه - وهو ماء الحمام - مغاير للمشبه به، وهو الجاري، وعلى اعتبار الكرية فيهما لا شبهة في اتحادهما موضوعا، فالتغاير لا يحصل إلا بتنزيل هذا القسم من الكر منزلة ما هو معتصم بنفسه كما يعطيه التعبير بلفظة الجاري التي هي بمنزلة تعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلية. فيستفاد منه أن ماء الحمام معصوم كما أن الجاري بجريانه معصوم.
ولذا توهم بعضهم معصومية ماء الحمام مطلقا، وإن لم يبلغ هو مع مادته كرا، بل كان ما في الحياض والمادة كلاهما أقل من الكر، وحسب خروج ماء الحمام عن حكم القليل تعبدا لأخباره، كما هو أحد الأقوال الأربعة فيه مقابل القول باعتبار الكرية في المادة مطلقا، أو في صورة عدم تساوي سطح ما في الحياض مع ما في المادة، أو عدم كون الاختلاف بنحو الانحدار، فإن فيهما يكفي بلوغ المجموع كرا، ومقابله القول بكفاية بلوغ مجموعهما كرا مطلقا.
وكيف كان، الإنصاف ظهور الصحيحة في اعتصام ماء الحمام ولو بملاحظة تقويه بالمادة كاعتصام الماء الجاري بنفسه، أو بسبب تقويه بمادته النابعة، ولا يلزم منه عدم الوقع للتنزيل بعد اعتبار الكرية هنا كما ذكره (قدس سره) من أنه بمنزلة قولك: الكر بمنزلة الجاري، وهو لغو، إذ يكفي في ثبوت الوقع له عدم دخوله في أذهان الناس مع هذا الاهتمام أو عدم تسلمهم إياه، مع ما تراه من دلالة الأخبار العديدة الواردة فيه على عصمته ومع مسلمية معصومية الكر عندهم.
وقولهم: إنه كيف يكون هذا الماء القليل في هذا الحوض الصغير معصوما بمحض اتصاله من ساقية بحوض آخر، سيما بعد علمهم بأن ما في المادة لا يبلغ